غزة تحترق... لماذا تُصرّ واشنطن على إطالة المذبحة؟

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الشامل على غزة، لم تتوقف واشنطن عن تأكيد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بينما تُجهَض كل محاولات التهدئة أو وقف إطلاق النار في مجلس الأمن. وبينما تتزايد أعداد الشهداء والدمار، تصر الولايات المتحدة على الاستمرار في تسليح الاحتلال، ومنع أي إدانة دولية له.

فهل عجزت واشنطن فعلًا عن إيقاف الحرب؟ أم أن استمرار المذبحة يخدم أهدافًا أعمق من حماية حليف؟

أولًا: حماية المشروع الصهيوني بأي ثمن

واشنطن لا ترى إسرائيل كدولة عادية، بل كحاملة طائرات ثابتة في قلب العالم العربي.
موقعها الجغرافي، وقدرتها على الردع، وعلاقاتها الوظيفية بالمشروع الأميركي، تجعلها:

  • الحارس الاستراتيجي لمنابع الطاقة.
  • كابحًا لأي تحرك تحرري عربي.
  • أداة ضغط على إيران وسوريا ولبنان.

ولهذا فإن أي تهديد وجودي أو معنوي لإسرائيل – كالذي مثّله هجوم 7 أكتوبر – يُعدّ تهديدًا للمنظومة الأميركية نفسها.
إن انتصار المقاومة في غزة، أو حتى صمودها، يعني ببساطة: هزيمة للهيمنة الأميركية في المنطقة.

ثانيًا: استنزاف المحور المناهض للهيمنة

العدوان على غزة لا يهدف فقط لضرب حماس، بل يُوظّف كأداة لإرهاق كل من:

  • حزب الله في لبنان (من خلال جبهة الشمال).
  • إيران (عبر الضغوط السياسية والتهديدات).
  • اليمن (من خلال استدراجه إلى مواجهة بحرية).
  • العراق وسوريا (عبر الهجمات الجوية المتكررة).

بهذا المعنى، تُحوّل واشنطن غزة إلى "محرقة اختبارية"، تستنزف فيها كل القوى المناوئة لمشروعها في الشرق الأوسط، قبل أن تدخل معها في أي تسوية كبرى قادمة.

ثالثًا: إنعاش سوق السلاح وتمويل الآلة الحربية

كلما طالت الحرب، ازدهرت شركات السلاح الأميركية:

  • إسرائيل طلبت ذخائر وصواريخ بمليارات الدولارات.
  • الخليج زاد طلباته الدفاعية خوفًا من "الارتدادات".
  • حتى أوروبا واليابان رفعت إنفاقها العسكري.

والمثير أن غالبية التمويل تأتي من الحلفاء العرب أنفسهم، إما مباشرة عبر الدعم، أو عبر شراء الوقت السياسي من واشنطن.
إنها حرب تُدار من البنتاغون، وتُموّل من العواصم العربية، وتُدفع كلفتها من دماء الفلسطينيين.

رابعًا: إدارة الداخل الأميركي وكسب الانتخابات

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، لا يمكن لأي رئيس أميركي أن يخسر رضا اللوبي الصهيوني:

  • بايدن يظهر مواقف متشددة لحماية إسرائيل، رغم الغضب الشعبي.
  • ترامب يزايد بوعده بإنهاء الحرب "لكن بشروط أميركية".
  • الكونغرس بأغلبه يقف خلف إسرائيل، تحت ضغط المال والإعلام.

وهكذا تُدار الحرب من منظور "الناخب الأميركي"، وليس "الضحايا في غزة".
بل إن دماء الأطفال تُوظّف في سوق السياسة، ليكسب هذا أو ذاك أصواتًا انتخابية إضافية.

خامسًا: تفكيك المقاومة وتصفية ما تبقى من القضية

واشنطن لا تكتفي بتأديب حماس، بل تسعى إلى:

  • تدمير البنية التحتية للمقاومة.
  • تجريمها دوليًا بوصفها "إرهابًا".
  • فرض سلطة بديلة تُدار عبر "التنسيق الأمني".
  • تحويل غزة إلى كيان منزوع السلاح، على شاكلة رام الله.

إنها محاولة لإعلان "نهاية زمن المقاومة"، وفتح باب "الشرق الأوسط الجديد" حيث تُدمج إسرائيل اقتصاديًا وسياسيًا، وتُختزل فلسطين في مشاريع إنسانية تحت الاحتلال.

سادسًا: بقاء السلطة الفلسطينية كبديل وظيفي

واشنطن تعرف أن سلطة رام الله تعاني من فقدان شرعية كامل، وأن بقاءها مشروط بإقصاء المقاومة.
ولذلك فهي:

  • تُلمّح بإعادة إعمار غزة بشرط أن تتم تحت إشراف السلطة.
  • تطرح "حلولًا سياسية" تكون فيها المقاومة خارج المعادلة.
  • توظّف الحرب لتُعيد هندسة المشهد الفلسطيني بالكامل.

هكذا يُراد لغزة أن تُدمَّر، لتُبنى على هوى واشنطن وتل أبيب، لا على خيار شعبها.

خاتمة:

إن إصرار الولايات المتحدة على إطالة المذبحة في غزة لا علاقة له بالدفاع عن النفس، ولا بالأمن، بل هو جزء من معركة جيوسياسية كبرى لإعادة رسم الشرق الأوسط بالقوة.
غزة ليست فقط رمزًا للصمود الفلسطيني، بل أصبحت اليوم ساحة كاشفة لنفاق العالم، وللوجه الحقيقي للهيمنة الأميركية التي تتغذى على الدماء، وتتجمّل بشعارات السلام.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡