
1. بنود الاتفاق: ملامح التنفيذ على الأرض
تضمّنت الوثيقة مجموعة بنود رئيسية تهدف إلى إنهاء النزاع العسكري وفتح أفق التعاون بين الطرفين:
- وقف إطلاق النار الفوري والكامل، مع آليات مشتركة لمراقبة التنفيذ.
- ترسيم الحدود بما يعكس تفاهمات ميدانية وإعادة السيطرة على مناطق متنازع عليها.
- تبادل الأسرى والمفقودين ضمن جدول زمني محدد، وتشكيل لجان مشتركة للبحث عن المفقودين.
- إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، عبر مشاريع مشتركة في المناطق المتضررة من الحرب.
- ضمانات أمنية دولية، يحتمل أن تكون تحت مظلة الأمم المتحدة، مع وجود قوات حفظ سلام دولية.
- فتح المعابر والطرق الحيوية لتسهيل حركة السكان والتجارة بين البلدين.
- حماية حقوق الأقليات واحترام سيادة كل دولة على أراضيها.
رغم هذه البنود الطموحة، يواجه تنفيذ الاتفاق تحديات عملية ضخمة نابعة من تراكمات تاريخية، انعدام الثقة، والتوترات الاجتماعية بين شعبي البلدين.
2. الجدية الحقيقية للاتفاق: سلام أم جبر سياسي؟
الاتفاق جاء في ظل إرهاق داخلي عميق لدى الطرفين، وسط أزمات اقتصادية واجتماعية مستفحلة وضغوط دولية للحد من النزاع المستمر. لكن التاريخ السياسي للنزاع بين أذربيجان وأرمينيا يشير إلى هشاشة الاتفاقات السابقة التي انهارت بسبب غياب آليات تنفيذ فعالة، وعدم القدرة على تجاوز الكراهية التاريخية.
- تدخل الولايات المتحدة كوسيط رئيسي هدفه تعزيز نفوذها في منطقة تُعتبر ساحة لصراع جيوسياسي بين روسيا وتركيا والغرب.
- غياب قوة حفظ سلام دولية ذات صلاحيات واضحة يضعف فرض التنفيذ.
- تراكم العداء والشكوك المتبادلة بين الطرفين يفاقم فرص انهيار الاتفاق.
يبدو الاتفاق في جوهره مناورة سياسية تبتغي تهدئة مؤقتة، لا حلاً جذريًا ومستدامًا.
3. دوافع توقيع الاتفاق: بين المصالح الداخلية والإقليمية
التوقيع جاء نتيجة تلاقي عوامل متعددة:
- الضغوط الداخلية: أزمات اقتصادية واجتماعية أرهقت الحكومات، وحاجتها للاستقرار السياسي.
- تغير موازين القوة: مكاسب عسكرية لأذربيجان ورغبة أرمينيا في وقف النزيف.
- المنافسة الإقليمية والدولية: دور الولايات المتحدة في تقويض نفوذ روسيا وتركيا في القوقاز.
هذا السياق يجعل الاتفاق أقرب إلى جبر سياسي منه إلى خيار سلام إرادي نابع من إرادة شعبية حقيقية.
4. المستفيدون الحقيقيون من الاتفاق
- الولايات المتحدة الأمريكية: التي تعزز حضورها السياسي الاستراتيجي في ممر بين أوروبا وآسيا، وتسعى لتقليل النفوذ الروسي والتركي.
- أذربيجان: تثبت مكاسبها العسكرية وتفتح آفاقًا تنموية واقتصادية.
- أرمينيا: تحاول وقف النزيف العسكري والاقتصادي، والاستفادة من الدعم الدولي.
- روسيا وتركيا: رغم تنافسهما، قد يستفيدان من استقرار نسبي يضمن مصالحهما الإقليمية.
- الشعوب المحلية: تحمل آمالًا في السلام والاستقرار، لكنها تبقى رهينة موازنات القوى الإقليمية والدولية.
5. الأطراف الإقليمية: صراع النفوذ وتأثيره على الاتفاق
روسيا
تُعتبر الوسيط التقليدي في النزاع، وتسعى للحفاظ على نفوذها كقوة رئيسية في جنوب القوقاز.
- وجود قوات حفظ سلام روسية في المنطقة تشكل ورقة ضغط استراتيجية.
- تلعب دور توازن دقيق بين الطرفين لمنع تصعيد غير محسوب.
- تحاول الحفاظ على هيمنتها أمام تحديات متنامية من تركيا والغرب.
تركيا
تدعم أذربيجان بوضوح، مستغلة الروابط القومية واللغوية، وتسعى لتوسيع نفوذها.
- حضور عسكري واستخباراتي قوي لدعم أذربيجان.
- تحاول تحدي النفوذ الروسي عبر الاتفاق وتهيئة وضع استراتيجي جديد.
- تستخدم الاتفاق كأداة ضغط على منافسيها الإقليميين والدوليين.
التداخل والتنافس بين روسيا وتركيا
الصراع على النفوذ بين القوتين يعقد فرص التنفيذ، ويحول المنطقة إلى ساحة للتنافس بين القوى الكبرى.
- الاستفادة من الاتفاق لتقوية مواقع النفوذ.
- المخاطر الأمنية نتيجة تصعيد الصراع بين القوى الخارجية.
الولايات المتحدة
تدخلت كطرف فاعل يسعى لتغيير خريطة النفوذ لصالحها، وتعزيز دورها كوسيط رئيسي في النزاع.
6. التحديات الكبرى أمام الاتفاق
- ضعف آليات الرقابة والتنفيذ الدولية، ما يهدد مصداقية الاتفاق.
- غياب الثقة العميقة بين أذربيجان وأرمينيا.
- تداخل المصالح الإقليمية المتضاربة، وصراعات النفوذ.
- المقاومة السياسية والمجتمعية الداخلية، التي قد تقوض الاستقرار.
7. السيناريوهات المستقبلية
أ. السيناريو الإيجابي: بناء سلام مستدام
- تنفيذ كامل وفعّال لبنود الاتفاق.
- تعاون اقتصادي وسياسي متزايد.
- دعم دولي وإقليمي مستمر.
- استقرار وأمن إقليميان نسبيان.
ب. السيناريو السلبي: انهيار الاتفاق وتجدّد النزاع
- فشل في تنفيذ البنود الأساسية.
- تصاعد التوترات الداخلية والسياسية.
- تدخلات إقليمية تصعيدية.
- عودة العنف واندلاع نزاعات مسلحة.
ج. السيناريو الأوسط: هدنة هشة ومتقلبة
- استمرار وقف إطلاق النار مع خروقات.
- تجميد ملفات النزاع الكبرى دون حل نهائي.
- مفاوضات متقطعة وغير حاسمة.
- تراجع الدعم الدولي بسبب انشغالات عالمية.
8. تأثير الاتفاق على الأمن الإقليمي
الاتفاق يحمل فرصًا لتهدئة الصراع، لكنه في الوقت نفسه يفتح باب المنافسة الشرسة بين القوى الإقليمية:
- روسيا تحاول صيانة نفوذها عبر آليات حفظ السلام والوساطة.
- تركيا تسعى لتعزيز مكانتها الاستراتيجية.
- الولايات المتحدة تستخدم الاتفاق كأداة ضبط نفوذ.
في ظل هذه الديناميات، قد تبقى المنطقة ساحة لصراعات بالوكالة، مع استمرار المخاطر الأمنية والاجتماعية.
9. العوامل الحاسمة لمستقبل الاتفاق
- إرادة سياسية وشعبية حقيقية من الطرفين لإنهاء النزاع.
- مراقبة دولية وضغط مستمر لضمان التنفيذ.
- تعاون إقليمي واضح يخفف من التوترات.
- دعم اقتصادي واستثماري يعزز التنمية والاستقرار.
10. الخاتمة
الاتفاق بين أذربيجان وأرمينيا يمثل فرصة تاريخية لإنهاء نزاع طويل ومُدمّر، لكنه في الوقت ذاته محاط بتحديات جسيمة، تتراوح بين ضعف آليات التنفيذ، تداخل مصالح القوى الكبرى، وانعدام الثقة بين الأطراف المحلية.
مصير هذا الاتفاق مرتبط بشكل مباشر بمدى قدرة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على التحلي بالإرادة السياسية، والالتزام الجدي بتطبيق بنوده، مع مراعاة معالجة جذور الصراع على المستوى الاجتماعي والسياسي.
في ظل هذه المعطيات، يبقى مستقبل جنوب القوقاز مفتوحًا بين احتمالات بناء سلام حقيقي أو العودة إلى دوامة النزاع.