أمريكا والحرب: بين التعب الاستراتيجي وحسابات الخروج المشرف

أمريكا والحرب: بين التعب الاستراتيجي ومحاولات الخروج المشرف

هل تعبت الولايات المتحدة حقًا من حربها المستمرة؟ أم أنها تدير فقط لعبة الخروج “بكرامة” لتخفي وراءها عبء استنزاف لا يمكنها تحمله؟ السؤال أكبر من مجرد إجابة عاطفية؛ فهو تأمل في خبايا الاستراتيجية الأميركية التي تبدو أحيانًا كأم تحاول إنقاذ ماء وجهها من حفرة حفرتها بنفسها.

التعب الأميركي: أزمة سياسية واقتصادية مموهة بعباءة الوطنية

لا شيء هنا مجرد “تعب بشري” أو ضغط داخلي عابر. أمريكا اليوم تُنهك بحرب اقتصادية سياسية استنزفت جيوبها، وضغطت على عصب اقتصادها القومي. من استنزاف الموارد الضخم، إلى تأثيرات التضخم والتذبذب في أسعار الطاقة، واشنطن تشعر بثقل نتائج حرب لا نهاية لها.

والأدهى من ذلك، هو الإرهاق السياسي داخل الإدارة نفسها، حيث تناقضات المصالح تتصارع، ولا وجود لرؤية استراتيجية واضحة تخرجها من مستنقع الصراعات المتعددة التي لم تجلب سوى الفوضى.

هل هي هزيمة؟ لا، لكنها تراجُع مدروس

الولايات المتحدة لا تزال قوة كبرى، عسكريًا ودبلوماسيًا، لكنها في مأزق: لا نصر حقيقي على الأرض، ولا انفراج استراتيجي يُذكر. هي حاليًا في لعبة استنزاف مع قوى كبرى مثل روسيا في أوكرانيا، ومعقدة بصراعات بالوكالة في مناطق متفرقة.

الاعتراف بالهزيمة سيكون بمثابة ضربة سياسية قاسية لن يجرؤ أحد على توجيهها، فبدلاً من ذلك نرى تحركات ذكية تتبع سياسة “حفظ ماء الوجه” عبر المفاوضات والضغط المتبادل.

لقاء ألاسكا: مسرحية دبلوماسية لإعادة ترتيب الأوراق

اللقاء بين بوتين وزيلينسكي، برعاية أميركية، ليس إلا محاولة أميركية لتخفيف الضغط المتزايد، وتقديم ورقة تفاوضية تحفظ ما يمكن حفظه.

هذا اللقاء ليس “سلامًا” بقدر ما هو توقيت مدروس لتقليل الخسائر وإعادة ضبط موازين القوى، مع ترك الباب مفتوحًا لكل الاحتمالات - من استمرار الصراع إلى تسويات مؤقتة.

ما الذي تريده أمريكا حقًا؟

  • الحفاظ على الهيمنة عبر إدارة التحالفات وعدم السماح بانهيارها أمام عيون خصومها.
  • تقليل الأعباء المالية والسياسية لحروب طويلة، خاصة أمام مجتمع داخلي متعب وغير صبور.
  • استعادة دور “الحاكم” في النظام الدولي، وسط عالم متعدد الأقطاب يتطلب مناورة دقيقة.

خلاصة سريعة

واشنطن ليست منهزمة، لكنها بلا شك غير قادرة على فرض إرادتها دون حسابات معقدة. الحرب الطويلة كشفت الحدود الحقيقية لنفوذها، وأجبرتها على مراجعة حساباتها.

لقاء ألاسكا هو بداية مرحلة جديدة، لعبة توازن بين القوة والضغط والدبلوماسية، لكنها ليست إعلان نهاية الحروب، بقدر ما هي استراحة استراتيجية مؤقتة.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.