
هذه ليست حادثة منفردة، بل نمط متكرر يشي بسياسة متكاملة: تحويل الغذاء إلى أداة قتل. الاحتلال لا يكتفي بفرض الحصار وتجويع السكان، بل يضيف إليه رعبًا دمويًا من نوع آخر، بحيث يصبح الخوف من الموت حاضرًا حتى عند محاولة البقاء على قيد الحياة. إنها جريمة علنية تفضح جوهر الاحتلال، وتكشف كيف يتحوّل أبسط حقوق الحياة – كالماء والخبز – إلى أدوات إعدام جماعي.
الأهداف المباشرة للجريمة:
- إرهاب السكان وتجويعهم بالقوة عبر بث الخوف من التواجد في أي نقطة توزيع غذاء.
- منع وصول المساعدات الإنسانية وإحداث فوضى تمنع أي تنظيم أو استمرارية لعمليات الإغاثة.
- إيقاع أكبر قدر من الضحايا المدنيين في وقت قصير، لإرسال رسالة ردع قاسية.
- إظهار القوة والسيطرة المطلقة على الأرض حتى في أدق تفاصيل الحياة اليومية.
الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى:
- تحويل الغذاء إلى أداة حرب تستخدم لإخضاع السكان وإجبارهم على الخضوع لشروط الاحتلال.
- تدمير الروح المعنوية للمجتمع عبر استهداف لحظات الأمل والنجاة.
- إفشال أي جهد إغاثي دولي وإحراج المنظمات أمام الرأي العام، لدفعها إلى الانسحاب أو التراجع.
- توسيع دائرة المعاناة الإنسانية لخلق بيئة يائسة تسهّل تهجير السكان أو تفريغ المناطق.
- إضعاف التضامن المجتمعي الداخلي عبر نشر الخوف في الأماكن التي يُفترض أن تكون آمنة.
النتيجة:
- تراجع عمليات توزيع المساعدات نتيجة الخوف من الاستهداف المتكرر.
- ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية خاصة بين الأطفال والمرضى وكبار السن.
- زيادة الضغط النفسي والجسدي على السكان وتحويلهم إلى رهائن للجوع والخوف.
- إضعاف ثقة المدنيين في أي وعود أو ترتيبات أمنية تقدمها الأطراف الدولية.
- تعزيز صورة الاحتلال كقوة قمعية لا تتورع عن استهداف أضعف الفئات في وضح النهار.
خلاصة تحليلية
ما يجري عند نقاط توزيع الغذاء في غزة ليس "حادثًا مأساويًا" بل عقيدة عسكرية وسياسية تدمج بين الحصار المادي والحرب النفسية. الاحتلال يدرك أن السيطرة على الغذاء أخطر وأعمق أثرًا من أي قصف جوي؛ فهي تفتك بالبنية المجتمعية وتحوّل البقاء نفسه إلى تحدٍّ يومي محفوف بالموت. هذه السياسة، في جوهرها، ليست إلا إبادة بطيئة بأدوات مدروسة، حيث يصبح الخبز مشهدًا للقتل، والماء فرصة لنصب الكمائن، والجوع نفسه ساحة لمعركة لا يملك المدني فيها أي سلاح.