
أزمة إنسانية مستمرة.. ولكن لم تكن أولوية
منذ اندلاع الصراع عام 2014، شهد اليمن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم، لكن المجتمع الدولي بقي على هامش الحدث، حيث:
- تكررت البيانات والإدانات الشكلية التي لم تترافق مع إجراءات فعلية.
- غابت الإرادة السياسية الحقيقية لإنهاء الحرب أو الضغط على أطراف النزاع لوقف التصعيد.
- التمويل الإنساني كان دائمًا متقطعًا ومقيدًا، ولا يلبي الاحتياجات الحقيقية للسكان.
يُطرح السؤال هنا: هل تحولت فجأة هذه الأزمة إلى أولوية بعد سنوات من الإهمال؟
مصالح استراتيجية تغطيها «قناع» الإنسانية
الحقيقة أن الاهتمام المتجدد باليمن لا ينبع من إيمان مفاجئ بقيمة حياة اليمنيين، بل يتصل بتحولات جيوسياسية ومصالح إقليمية وعالمية منها:
-
موقع اليمن الاستراتيجي:
يطل اليمن على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية العالمية، مرورًا به نسبة هائلة من تجارة النفط والبضائع. تهديد الاستقرار في هذا المضيق يثير قلق القوى الدولية التي تعتمد على حرية الملاحة لضمان اقتصاداتها. -
الصراع الإقليمي والوكالة:
اليمن ساحة للصراع بين السعودية وإيران، وكذلك تحركات الإمارات التي تحاول إعادة تشكيل موازين القوى في الجنوب. تتصارع هذه القوى ضمن معادلة معقدة يتحرك فيها النظام الدولي بحذر، ما يجعل الأزمة اليمنية معقدة ومغلقة أمام حلول سريعة. -
توازنات القوى الدولية:
مع تقلص النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وتحولات تحالفاته، باتت القوى الكبرى تبحث عن حلول تحفظ مصالحها، وتحد من فرص توغل الجماعات المتطرفة أو دول مثل إيران في مناطق حساسة.
التفكك اليمني.. واقع أم ورقة سياسية؟
تحدث كثيرون عن "تفكك الدولة" في اليمن، لكن هذا التفكك هو في الغالب نتاج تدخلات خارجية مقصودة أو صمت متواطئ:
-
التقسيم الفعلي:
التدخلات العسكرية ودعم الفصائل المختلفة يقود إلى تقسيم جغرافي وسياسي واقتصادي مدعوم من جهات إقليمية. -
غياب الإرادة الدولية:
المجتمع الدولي لم يضغط بجدية لمنع هذه الانقسامات، بل ساهم بشكل غير مباشر في تثبيت الأوضاع الحالية. -
التوظيف السياسي:
التفكك يستخدم كورقة تفاوض أو ضغط في الحسابات الإقليمية، ما يطيل أمد النزاع.
هل هناك بارقة أمل؟
المشهد الدولي حاليًا يطرح احتمالات جديدة في ظل:
- ضغوط متزايدة من المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.
- تحول أولويات بعض الدول الإقليمية والدولية نحو حل سياسي.
- ضرورة حماية الممرات البحرية وتأمين المصالح الاقتصادية.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيتحول هذا الاهتمام إلى تحرك فعلي يؤدي إلى إنهاء المعاناة، أم سيبقى اليمن ضحية مصالح كبرى تُدار في الظل؟
خلاصة
الاهتمام الدولي الحالي باليمن ليس وليد لحظة إنسانية أو ضمير مستيقظ، بل هو انعكاس لموازين قوة وديناميكيات جيوسياسية تتغير، مع استثمار مأساة اليمن كأداة في هذه اللعبة المعقدة. وهكذا تبقى الأزمة اليمنية مثالاً قاسيًا على كيف يمكن أن تُغيب الإنسانية حين تتعارض مع المصالح، وكيف تعود للظهور عندما تفرض الظروف الحسابات السياسية ذلك.