
فلسطين ليست مجرد بقعة جغرافية صغيرة على الخريطة، بل هي قلب التاريخ الروحي والسياسي للمنطقة، ومفترق طرق للأديان والحضارات. من القدس التي شهدت أقدام الأنبياء، إلى غزة التي تصارع اليوم على البقاء، تحمل فلسطين قصة صراع طويل بين وعود التاريخ وحقائق الجغرافيا القاسية. فما الذي جعلها محورًا دائمًا للنزاعات العالمية؟ وهل القضية اليوم شأن محلي، أم أنها اختبار لمصداقية النظام الدولي بأسره؟
فلسطين التاريخية: مهد الرسالات ومركز الحضارات
على مر العصور، كانت فلسطين أرضًا ذات مكانة خاصة:
- في القدس، تلتقي أقدس المواقع لدى المسلمين والمسيحيين واليهود.
- ميناء يافا وأسواق نابلس وغزة شكّلوا شرايين تجارة تربط البحر المتوسط بالداخل العربي.
- احتضنت فلسطين ثقافات متعددة، فكانت ملتقى التجار والحجاج، وميدانًا لتبادل الأفكار والمعارف.
من الانتداب إلى النكبة
- الانتداب البريطاني (1920 – 1948): فتح الطريق أمام المشروع الصهيوني من خلال وعد بلفور وسياسات الهجرة المنظمة.
- النكبة (1948): تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني، ومحو مئات القرى والمدن.
- ما بعد النكبة: تحولت القضية الفلسطينية من قضية أرض وشعب، إلى محور صراع دولي يتداخل فيه الاستعمار، والدين، والسياسة.
القدس في التاريخ: من اليبوسيين إلى العثمانيين
- العصور الكنعانية–اليبوسية: مدينة محصنة على تلال الحجر الجيري، مركز ديني وتجاري.
- العصر العبري والروماني: مسرح لصراعات دينية وسياسية متكررة، أبرزها تدمير الهيكل عام 70م.
- الفتح الإسلامي (638م): أصبحت القدس مدينة مقدسة للمسلمين، إلى جانب مكانتها لليهود والمسيحيين.
- العصور الصليبية والمملوكية والعثمانية: احتلال وتحرير متكرر، مع الحفاظ على التنوع الديني والثقافي.
الحاضر: احتلال، حصار، وتهويد
- الضفة الغربية: تتآكل بفعل الاستيطان.
- القدس الشرقية: تتعرض لسياسات تهويد ممنهجة وتغيير ديموغرافي.
- غزة: حصار خانق منذ أكثر من 17 عامًا جعلها أكبر سجن مفتوح في العالم.
- التطبيع العربي: جعل الاحتلال لاعبًا طبيعيًا في المنطقة، فيما تراجعت الضغوط الدولية لفرض حل عادل.
تحليل نقدي: القدس وفلسطين في معادلة القوة العالمية
- البعد الرمزي والديني: السيطرة على القدس تمنح سلطة معنوية على العالمين الإسلامي والمسيحي.
- الموقع الجيوسياسي: فلسطين تقع على خط الوصل بين آسيا وإفريقيا، وعلى سواحل المتوسط، ما يمنحها قيمة استراتيجية قصوى.
- الوظيفة السياسية للصراع: إبقاء النزاع مفتوحًا يخدم القوى الكبرى في إدارة المنطقة عبر الأزمات.
- ازدواجية المعايير: القرارات الأممية تبقى حبرًا على ورق، بينما يتغذى الاحتلال على الدعم الغربي.
القدس اليوم: بين الحصار والذاكرة
المدينة تعيش حالة احتلال معلن وتهويد متسارع، لكن أسواقها وأزقتها وكنائسها ومساجدها تحفظ هوية متجذرة في عمق التاريخ. كل حجر فيها يروي حكاية مقاومة، وكل حكاية تفضح زيف الرواية الرسمية التي يحاول الاحتلال فرضها.
خاتمة
القدس ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي صراع على الهوية والذاكرة والسيادة. ومن يحكمها يملك رمزًا يتجاوز حدودها الجغرافية، ليبقى السؤال الأكبر: هل ستظل فلسطين والقدس شاهدتين على فشل الضمير الإنساني، أم أن التاريخ سينحاز يومًا إلى العدالة؟