
الوعي السياسي الجمعي ليس ثابتًا، بل يتشكل وفق أدوات الإعلام، وسياق القوة، وأحداث العالم.
الجيل السابق (ما قبل مطلع الألفية) نشأ في عالم تُصاغ وعيه فيه السرديات الرسمية للدول والإعلام التقليدي. أما الجيل الحالي فيعيش ضمن فضاء مفتوح، حيث تتدفق المعلومات بلا حدود، وتتفكك المرويات المركزية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة وعيًا أعمق، بل أحيانًا وعيًا مشوَّشًا ومجزأً.
ملامح وعي الجيل السابق
1- الوعي الجماعي المرتبط بالصراع الكبير:
- الحرب الباردة فرضت سردية ثنائية: معسكر رأسمالي مقابل معسكر اشتراكي.
- كانت القضايا الكبرى (فلسطين، فيتنام، الجزائر) تُرى ضمن إطار التحرر الوطني أو الاستقطاب الأيديولوجي.
2- الإعلام المركزي:
- الصحف الرسمية، التلفزيون، والإذاعة كانت المصدر الأساسي.
- هذا خلق وعيًا أكثر توحدًا، حتى وإن كان مُسيطرًا عليه من السلطة.
3- القومية والتحرر الوطني:
- الجيل السابق حمل وعيًا أكثر جماعية، يرى نفسه جزءًا من حركة كبرى (القومية العربية، حركة عدم الانحياز، التضامن العالمي ضد الاستعمار).
4- بطء تدفق المعلومات:
- ما يصل للناس كان قليلًا لكنه مصقول، ما جعل الأحداث الكبرى تكتسب وزنًا رمزيًا هائلًا.
ملامح وعي الجيل الحالي
1- تشظي السرديات:
- الإنترنت ووسائل التواصل جعلت الحقيقة غير مركزية.
- لكل حدث عشرات الروايات، ولكل جيل أو فئة "فقاعته" الخاصة من المعلومات.
2- فقدان المركزيات الأيديولوجية:
- الجيل الحالي أقل انشدادًا إلى الأيديولوجيا الشاملة (القومية، الشيوعية، الليبرالية المطلقة).
- بديلها: وعي هجين، متغير، قائم على القضايا الجزئية (البيئة، حقوق الأقليات، الاقتصاد الرقمي).
3- هيمنة الصورة واللحظة:
- وعي اليوم بصري أكثر منه نصّي. الصورة (أو المقطع القصير) أصبحت تصنع الرأي العام أسرع من الكتاب أو الخطب.
4- وعي عالمي لكنه هش:
- الجيل الحالي منفتح على قضايا العالم (فلسطين، أوكرانيا، المناخ)، لكنه يعيشها عبر وسيط رقمي سريع الزوال.
- هذا يجعله أكثر تضامنًا عابرًا للحدود، لكن أقل تجذرًا في مشروع سياسي طويل المدى.
الفرق الجوهري بين الجيلين
- الجيل السابق: وعي سياسي أكثر جماعية، مؤطر بسرديات كبرى، رغم أنه كان موجَّهًا ومراقَبًا.
- الجيل الحالي: وعي سياسي أكثر انفتاحًا وعالميًا، لكنه مفكك، سريع التفاعل، سريع النسيان، ومحكوم بخوارزميات الإعلام الجديد.
خلاصة
الوعي السياسي العالمي اليوم يعيش أزمة مزدوجة:
- تحرر من احتكار الدولة والإعلام الرسمي.
- لكن مقابل ذلك: ضياع في بحر من السرديات المتناقضة.
الجيل السابق كان يملك إيمانًا قويًا بمشروع سياسي جماعي، حتى لو كان مضلَّلًا أو محدودًا.
أما الجيل الحالي فيملك قدرة وصول غير مسبوقة للمعلومة، لكن دون إطار جمعي يوحّدها، ما يجعله أكثر عرضة للتشظي أو التلاعب.