
دوافع حماس: حين يصبح الصمود بحاجة إلى تنفّس
لم يكن قرار حماس استسلامًا للواقع العسكري، بل قراءة باردة لمعادلة الاستنزاف.
- البعد الإنساني: غزة اليوم في كارثة وجودية: انهيار بنية الحياة، جوع ومرض وتشريد. القبول بهدنة يمنح السكان هدنة نفسية قبل أن يكون هدنة عسكرية.
- المعادلة السياسية: عبر إبداء مرونة، ترمي حماس الكرة في ملعب إسرائيل، وتظهر للعالم أنها ليست "العائق أمام السلام"، بل الطرف الذي يقبل بالمبادرات الإنسانية.
- الاعتبارات الاستراتيجية: أي وقف للنار، ولو مؤقت، هو فرصة لإعادة التموضع، وتنظيم الصفوف، وترميم شبكة المقاومة. الهدنة هنا تتحول إلى استراحة مقاتل لا إلى تسليم السلاح.
مأزق إسرائيل: بين ضغط الداخل وضغط الخارج
قبول إسرائيل بالهدنة يعني اعترافًا عمليًا بأن حماس ما زالت طرفًا لا يمكن تجاوزه، وهذا نقيض روايتها عن "تصفية الحركة". لكن رفضها قد يدفعها إلى مواجهة أعمق مع الداخل والخارج.
- الضغط الداخلي: عائلات الرهائن تحاصر الحكومة يوميًا بالاحتجاجات، رافعة شعار "أعيدوهم الآن"، في تحدٍ لنتنياهو وتحالفه اليميني.
- الضغط الدولي: الولايات المتحدة – بوساطة ويتكوف ودعم قطر ومصر – وضعت على الطاولة مقترحًا يكاد يطابق ما وافقت عليه إسرائيل سابقًا، ما يجعل رفضه مكلفًا دبلوماسيًا.
- الخطاب المتشدد: اليمين الإسرائيلي يرفض أي هدنة تبقي حماس في المشهد، ما يجعل الحكومة عالقة بين الاستجابة للشارع والالتزام بروايتها المتشددة.
اللعبة الدبلوماسية: هل تتحول الهدنة إلى اتفاق أوسع؟
المقترح الحالي ليس نهاية الحرب، بل بداية مسار. ستين يومًا من الهدوء قد تفتح بابًا لصفقة أكبر: انسحابات أوسع، إعادة إعمار جزئي، وربما نقاش حول مستقبل غزة ما بعد الحرب. لكن ذلك يعتمد على توازن الضغط:
- إن نجحت حماس في الصمود والظهور كقوة سياسية لا تُقهر، ستكسب أوراق تفاوض أبعد من مجرد تبادل الأسرى.
- وإن استطاعت إسرائيل فرض شروطها عبر المماطلة والانتقاص، ستسعى لتحويل الهدنة إلى مجرد "مهلة قتالية" تعود بعدها إلى سياسة النار.
خلاصة: معركة الزمن وليست معركة البنود
الهدنة، في جوهرها، ليست نصًا مكتوبًا، بل اختبار لإرادة الطرفين. حماس تقرأها كاستثمار في الزمن، بينما إسرائيل تراها كمأزق تهدد به هويتها السياسية. وبينهما، يظل المدنيون في غزة هم الرهان الأخطر، إذ يتحول مصيرهم إلى ورقة ضغط في لعبة أكبر من إنسانيتهم.