السيادة الاقتصادية: التأمين الحديث: تكافل اجتماعي أم مقامرة مالية؟

يُقدّم التأمين التجاري في الخطاب الرسمي باعتباره وسيلة حماية من المخاطر الصحية، الممتلكاتية، وحتى الاجتماعية. لكن عند التدقيق، يظهر أن الهدف الفعلي غالبًا لا يتعلق بتخفيف المخاطر عن المواطنين، بل تحويل المخاطر الفردية إلى أرباح مالية للشركات، مما يجعل التأمين قريبًا من المقامرة المنظمة أكثر من كونه تكافلًا اجتماعيًا.

1. التأمين في الشريعة مقابل التأمين التجاري

  • التكافل الإسلامي: يهدف إلى تقاسم الخطر بين أفراد المجتمع، كل عضو يساهم بحسب استطاعته، والأموال تُستخدم لتعويض من أصابه مكروه.
  • التأمين التجاري الحديث: الشركة تجمع أقساطًا ثابتة، وتربح أكثر إذا لم تقع المطالبات، أي أن الربح قائم على عدم وقوع الخطر.

2. التأمين والاستثمار الربحي

شركات التأمين تستثمر الأقساط في أسواق المال، الأسهم، السندات، وحتى أدوات مشتقة معقدة:

  • الهدف ليس فقط حماية المؤمن عليه، بل تحقيق أرباح إضافية للشركة.
  • المخاطر المالية تتحوّل من الحادث المؤمن عليه إلى استثمارات الشركة نفسها.

3. الشفافية والمخاطر

  • المواطن يدفع الأقساط وفق جدول محدد.
  • الشركة تحدد شروط التعويض بدقة لتقليل احتمال دفع كامل التعويض.
  • الغموض حول السياسات الداخلية يجعل التأمين أداة تحكم مالي أكثر من كونه حماية اجتماعية.

4. التأمين والتبعية الاقتصادية

الاعتماد على التأمين التجاري بدلًا من النظام التكافلي أو الصحي العام يعني نقل مسؤولية حماية المواطنين إلى شركات ربحية تُدار وفق منطق السوق، وليس وفق مصلحة المجتمع.

5. النتيجة: المواطن الخاسر

  • المواطن يدفع الأقساط ويخضع لشروط التعويض، غالبًا دون تعويض كامل.
  • الشركة تتحكم في أرباحها واستثماراتها بعيدًا عن رقابة المستفيدين.
  • ما كان يُفترض أن يكون تكافلًا اجتماعيًا يتحوّل إلى رهان مالي على المخاطر.

الخلاصة النقدية

التأمين الحديث في العالم العربي ليس أكثر من مقامرة مالية منظمة، تحت غطاء قانوني وتقني، تُحوّل المخاطر الفردية إلى أرباح للشركات، بينما المواطن يظل الطرف الخاسر.

سلسلة: السيادة الاقتصادية: بين الضرائب والديون والخصخصة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.