البلاستيك.. لماذا يُحمَّل المواطن عبء أزمة صنعتها الشركات؟

في السنوات الأخيرة، ضُخّت حملات إعلامية ضخمة تُطالب الأفراد بالتقليل من استهلاك البلاستيك اليومي: "لا تستخدم كيسًا بلاستيكيًا"، "استبدل زجاجة الماء بعلبة معدنية"، "احمل حقيبتك القماشية". وكأن المواطن العادي هو المذنب الأول في أزمة التلوث البلاستيكي. لكن خلف هذا الخطاب تختبئ حقيقة أعمق: المستهلك ليس إلا الحلقة الأضعف، بينما الجذر الحقيقي للأزمة يكمن في الشركات الكبرى التي تصنع البلاستيك وتفرضه على الأسواق، ثم تختبئ وراء شعارات "المسؤولية الفردية".

الشركات.. المنتج الخفي والملوِّث الأكبر

أكثر من 90% من البلاستيك في العالم يُنتَج من شركات نفطية وبتروكيماوية كبرى. هذه الشركات لا تكتفي بضخ البلاستيك في الأسواق، بل تفرضه كخيار شبه وحيد عبر أنظمة التعبئة والتغليف العالمية. في المقابل، يُقال للمستهلك: "أنت المسؤول عن الكارثة". بينما الحقيقة أن الفرد لا يملك بدائل حقيقية، إذ إن كل منتج تقريبًا ـ من زجاجات الماء إلى الإلكترونيات ـ يأتي ملفوفًا بطبقات من البلاستيك الإجباري.

تحميل المواطن عبء المشكلة.. استراتيجية قديمة

هذا الخطاب ليس جديدًا. في قضية المناخ مثلًا، ركّزت شركات النفط لعقود على "البصمة الكربونية الفردية" كي تُبعد الأنظار عن انبعاثاتها الضخمة. نفس المنطق يُعاد تدويره اليوم مع أزمة البلاستيك: بدل الحديث عن تقييد الإنتاج من المصدر، يُحمَّل المواطن البسيط وزر الأزمة، ويُدفع ليشعر بالذنب كلما استخدم كيسًا أو قنينة ماء.

الدور الإعلامي في صناعة الوعي الزائف

وسائل الإعلام تتبنّى هذا الخطاب لأنها تخاطب الفرد مباشرة: قصص صغيرة مؤثرة عن "السلحفاة التي اختنقت بكيس بلاستيك"، أو "الشاطئ المليء بالزجاجات". هذه الصور تصنع حالة عاطفية تُحمّل الفرد المسؤولية، لكنها تغضّ الطرف عن مصانع ضخمة تنتج ملايين الأطنان يوميًا. النتيجة: وعي زائف يجعل المواطن يظن أنه أصل الأزمة، بينما المتسبب الحقيقي يظل في الظل.


الحل الجذري.. ليس في يد المستهلك

لا شك أن وعي الأفراد وتقليل الاستخدام مهم، لكنه ليس العلاج. الحل الجذري يتطلب:

  • فرض قيود دولية على إنتاج البلاستيك الجديد.
  • تحميل الشركات تكلفة إعادة التدوير بدل رميها على البلديات والمستهلكين.
  • تطوير بدائل إلزامية للتغليف والإنتاج الصناعي.
  • مواجهة لوبيات النفط والبتروكيماويات التي تعرقل أي معاهدة جادة.

الخاتمة

أزمة البلاستيك ليست مجرد نتيجة لـ "إسراف المستهلكين"، بل نتاج بنية اقتصادية عالمية تفرض البلاستيك كسلعة أساسية وتترك الشعوب تواجه التلوث. تحميل المواطن عبء المشكلة هو إستراتيجية تضليلية تُخفي المسؤولية الحقيقية للشركات العملاقة التي تجني الأرباح وتترك الفاتورة للبيئة والبشر.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.