
العقيدة القتالية: أكثر من مجرد سلاح
المقاتل الفلسطيني لا يقاتل بسلاحه وحده، بل بروحه وهويته الوطنية. فالقتال لديه بعد وجودي: الأرض والقدس والتاريخ والذاكرة جميعها عوامل تحوّل الدفاع عن النفس إلى واجب ديني ووطني. هذه العقيدة تجعل من الفداء أداة لاستمرار الصمود، حتى في مواجهة التفوق العددي والتكنولوجي للإسرائيليين.
الأمثلة التاريخية عديدة:
-
النكبة 1948: رغم التهجير والدمار، لم يتوقف الفلسطينيون عن المقاومة، بل استمرت في شكل انتفاضات ومقاومات محلية.
-
انتفاضات 1987 و2000: حملت هذه الانتفاضات رسائل واضحة بأن الفداء الفلسطيني لا يُقاس بالأدوات، بل بالعقيدة والوعي الجمعي.
العقيدة القتالية هنا ليست مجرد شعور، بل وعي عملي يترجم إلى سلوك مستمر على الأرض، يجعل من كل حي فلسطيني معقلًا صامدًا ضد الاحتلال، مهما بلغت قوته.
استحالة الاستسلام النفسي
الاستسلام في السياق الفلسطيني لا يعني مجرد رفع السلاح، بل التخلي عن الوجود ذاته. الاحتلال الإسرائيلي لم يوفر للفلسطيني حياة بديلة تحافظ على كرامته، بل حياة خاضعة تفتقر للحرية والسيادة. لذا يصبح الاستسلام خيارًا مستحيلًا نفسيًا وجماعيًا.
حتى تحت أقسى الظروف: الحصار الاقتصادي، القصف المتكرر، الاعتقالات الجماعية، يبقى الفلسطيني ملتزمًا بالمقاومة. هذا الالتزام يشكل مناعة نفسية وجماعية تجعل من الاستسلام غير قابل للتطبيق، مهما حاولت القوى المحتلة خلق بيئة محكومة بالخوف والافتقار للأمل.
الإعلام والدعاية الغربية: محاولة تفريغ المعنى
الخطاب الإعلامي الغربي والإسرائيلي حاول تصوير الفلسطينيين إما كضحايا عاجزين أو كإرهابيين خطرين، في محاولة لتقليل المعنى الرمزي للفداء. هذه الدعاية تسعى لتقديم المقاومة على أنها عبء، والخسائر الفلسطينية كدليل على اليأس، متجاهلة أن كل عملية فدائية أو مقاومة مدنية هي تعزيز للوعي الجمعي وصمود العقيدة.
الأمثلة:
-
التركيز على عدد القتلى الفلسطينيين دون الحديث عن الظروف التي تخلق مقاومة جديدة.
-
استخدام لغة "الإرهاب" لتشويه الفعل المقاوم وحرمانه من شرعية الدفاع عن الوطن.
رغم ذلك، كل هذا لم ينجح في تغيير العقيدة الفلسطينية أو تفكيكها، بل زادها صلابة عبر التأكيد على أن المقاومة حق وواجب، والفداء قيمة وجودية.
المقاومة الشعبية والفداء: أسلحة فوق المادية
المقاومة الفلسطينية ليست مجرد عمليات مسلحة، بل تشمل:
- المقاومة المدنية في المدن والقرى، مثل الإضرابات والاعتصامات.
- المقاومة الثقافية، من خلال التعليم، الفن، الأدب، والموسيقى، التي تحافظ على الهوية.
- المقاومة الرمزية، مثل رفع العلم الفلسطيني والاحتفاء بالشهداء والمناسبات الوطنية.
كل هذه الأشكال تؤكد أن الفداء ليس فقط مواجهة الموت، بل تحويل الحياة اليومية إلى مقاومة مستمرة. فهي تثبت أن العقيدة تتجاوز القوة العسكرية وتصبح جزءًا من الثقافة والهوية.
الدروس المستفادة من العقيدة الفلسطينية
- الفداء هو أداة بقاء: كل محاولة للقضاء على الفلسطينيين عسكريًا تحفز المقاومة أكثر.
- الإرادة أقوى من الأسلحة: التفوق المادي للعدو لا يعني القدرة على كسر الروح.
- الاستسلام خيار غير موجود: عقيدة الفداء تمنع كل تسوية قائمة على التنازل عن الأرض والكرامة.
- الوعي الجماعي يحمي الفرد: كل جيل فلسطيني يُنشأ على قصة المقاومة يخلق مناعة جماعية ضد الاحتلال النفسي والثقافي.
الخاتمة
في فلسطين، المعركة ليست فقط حول الأرض، بل حول المعنى والهوية. الفلسطيني يرفض الاستسلام ليس بدافع الارتباط بالدماء فحسب، بل لأن الفداء أصبح جزءًا من وعيه الجمعي وهويته الوطنية. القوة المادية وحدها لا تكسر هذه العقيدة؛ كل محاولة للسيطرة على الفلسطينيين تنتهي بتأكيد أن الفداء هو الضمانة الحقيقية لغياب الاستسلام، وأن المقاومة ليست خيارًا بل قدر وجودي.