
الهوية الوطنية والسياسة الداخلية
إندونيسيا دولة فريدة من نوعها، تضم أكثر من 17 ألف جزيرة، ومئات الجماعات العرقية واللغات المحلية، وهو ما يجعل التركيز الأساسي للحكومة على إدارة التنوع الداخلي وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
- تاريخيًا، اتبعت الدولة سياسة الحياد النشط وعدم الانحياز، خصوصًا خلال حقبة حركة عدم الانحياز في القرن العشرين.
- هذه السياسة الداخلية انعكست على الموقف الدولي، حيث تميل الحكومة إلى تجنب الانخراط المباشر في الصراعات العالمية أو الإقليمية، حفاظًا على تماسك الدولة وهدوء الداخل.
الاقتصاد والقدرة الجيوستراتيجية المحدودة
رغم كون إندونيسيا قوة إقليمية في جنوب شرق آسيا، إلا أن نفوذها الدولي محدود اقتصاديًا وعسكريًا:
- يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الموارد الطبيعية والتصدير الزراعي والصناعي، مع محدودية القدرة على استخدام القوة الاقتصادية كأداة نفوذ عالمي.
- القوات المسلحة الإندونيسية قوية نسبيًا، لكنها تركز على الأمن الداخلي والدفاع البحري، وليس على توسيع النفوذ العسكري خارج المنطقة.
البعد الجغرافي وصراع النفوذ
إندونيسيا تقع بعيدًا عن محاور النزاع الرئيسية في الشرق الأوسط، وهو ما يجعل تأثيرها محدودًا على القضايا الإسلامية الكبرى.
- جغرافيًا، هي من دول الهامش الإسلامي، بعكس تركيا أو السعودية التي ترتبط مباشرة بالدوائر السياسية والعسكرية العالمية.
- هذا البعد الجغرافي يفسر جزئيًا غيابها عن الصراعات الإسلامية الدولية وعن القيادة الرمزية للأمة الإسلامية.
الثقافة السياسية الإسلامية المعتدلة
يميز المجتمع الإندونيسي الإسلام المعتدل والمتسامح:
- التركيز على التنمية الداخلية والتعليم والاقتصاد يجعل الدولة أقل اهتمامًا بتصدير الإسلام سياسيًا أو التدخل في الصراعات الإقليمية.
- هذا النهج المعتدل يضعها خارج دائرة النفوذ السياسي الديني التي تتمتع بها دول مثل إيران أو السعودية أو تركيا، لكنها في المقابل تجني استقرارًا داخليًا ومصداقية دولية.
التوازن بين الشرق والغرب
إندونيسيا اليوم تحت تأثير نفوذ مزدوج:
- الغرب: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شركاء اقتصاديون واستراتيجيون رئيسيون، مع تأثير على السياسة الاقتصادية والمشاريع التنموية.
- الشرق: الصين تهيمن على الاستثمار والبنية التحتية، بينما روسيا موجودة في المجال العسكري.
- الحكومة الإندونيسية تتبع سياسة المحورية بين الشرق والغرب، مستفيدة من الاستثمارات والتعاون مع كلا الطرفين، لكنها تحرص على عدم الانحياز الكامل لأي جهة.
خلاصة نقدية

غياب إندونيسيا عن المشهد الدولي لا يعني ضعفها، بل يعكس اختيارًا استراتيجيًا للتركيز على الداخل والاستقرار، مع الحفاظ على سياسة توازن بين القوى العالمية. الدولة اختارت الحياد النشط والسياسة المعتدلة بدلًا من الانجرار إلى صراعات خارجية قد تضر بمصالحها الوطنية، لكنها في الوقت نفسه تفتقد أدوات النفوذ السياسي والعسكري المباشر على المستوى الدولي.
إندونيسيا، إذا أرادت يومًا أن تلعب دورًا أكبر على الساحة الدولية، عليها أولًا تعزيز نفوذها الاقتصادي والعسكري، وبناء منصة فكرية وسياسية تؤهلها لقيادة الملفات الإسلامية الإقليمية، أو على الأقل أن تصبح صوتًا مؤثرًا ضمن التحالفات الدولية. حتى الآن، تظل أكبر دولة إسلامية صامتة، متفرجة، ومتوازنة بين الشرق والغرب.