صناعة الأخبار التافهة: من البروباغندا إلى "مجتمع الفرجة"

الإعلام لم يعد مجرد ناقل للوقائع، بل أصبح صانعًا لها، بل ومُعيدًا لترتيب أولويات العقل الجمعي. ومن أبرز أدوات هذا التحكم: الأخبار التافهة. قصص سطحية بلا أثر، تتحول عبر التكرار والتضخيم إلى أحداث كبرى، بينما الحقائق الاستراتيجية تُهمّش أو تُخفى.

من البروباغندا إلى التفاهة

نعوم تشومسكي، في تحليله لآليات التحكم، أشار إلى أن أحد أهم أساليب البروباغندا هو إشغال الجماهير بالتفاصيل الصغيرة كي لا تنصرف إلى ما يهدد سلطة النخب. فالإعلام، بدل أن يقدّم وعيًا نقديًا، يملأ المساحات بفضائح، قصص عاطفية، وأحداث مفتعلة. الهدف: خلق ضوضاء مستمرة تُغطي على القضايا الجادة.

"مجتمع الفرجة"

الفيلسوف الفرنسي غي ديبور ذهب أبعد من ذلك، مؤكدًا أن العصر الحديث تحوّل إلى مجتمع استعراضي، حيث ما يراه الجمهور عبر الشاشات أهم من الواقع نفسه. في هذا السياق، تصبح الأخبار التافهة ليست مجرد أداة إلهاء، بل هي جوهر الثقافة الجماهيرية: الناس تعيش داخل مشهد مصطنع، حيث يُعاد إنتاج التفاهة كحقيقة.

كيف تُصنع التفاهة؟

  1. التضخيم البصري: صورة أو مقطع فيديو يُمنح قيمة تفوق وزنه.
  2. التدوير المستمر: نفس القصة تُعاد صياغتها حتى تُرسّخ في الوعي كحدث مهم.
  3. التفاعل الخوارزمي: منصات التواصل ترفع ما يثير الغضب أو الفضول، فيتصدر السطح على حساب العمق.
  4. إغراق الوعي: ضخ متواصل من قصص صغيرة يمنع الجمهور من متابعة الملفات الكبرى.

الأثر السياسي

الخطر الحقيقي أن هذه الصناعة ليست بريئة. فهي تؤدي دورًا مزدوجًا:

  • إلهاء متعمد عن السياسات الاقتصادية والتحولات الجيوسياسية.
  • تشكيل وعي جماهيري هش، يتغذى على الإثارة اللحظية بدل الفهم النقدي.

وهكذا، تُدار المجتمعات المعاصرة عبر البروباغندا الناعمة: لا بالقمع المباشر، بل بالتفاهة المستمرة.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.