
من حرب خاطفة إلى حرب استنزاف
كانت التقديرات الغربية في بدايات الصراع تراهن على سقوط سريع لروسيا تحت ضغط العقوبات والعزلة. لكن ما جرى هو العكس: الحرب اتسعت أفقًا وزمنًا، لتتحول إلى نزيف مستمر يستنزف كل الأطراف. موسكو تكيفت مع العقوبات ووسعت حضورها في ساحات جديدة، بينما أوروبا غرقَت في أزمات طاقة وركود وتضخم غير مسبوق.
أوكرانيا كورقة لا كفاعل
على الرغم من أن أوكرانيا هي الميدان الأساسي، إلا أن قرارها السياسي بات مرهونًا بواشنطن والعواصم الأوروبية. كييف تحولت إلى ورقة في صراع أكبر، حيث تحدد معادلات الدعم العسكري والمالي مسارها. وهكذا، أضحت أوكرانيا ساحة اختبار للسلاح الغربي أكثر من كونها طرفًا مستقلًا في تحديد مستقبلها.
ارتداد العقوبات: الاقتصاد العالمي في المعادلة
سلاح العقوبات الذي اعتُبر أقوى أدوات الغرب انقلب إلى سيفٍ ذي حدين. فقد سرّع التقارب بين روسيا والصين، وعزز شراكات موسكو مع الهند ودول الجنوب العالمي. في المقابل، دفعت أوروبا الثمن الأكبر عبر فقدان الغاز الروسي الرخيص، مما عمّق أزماتها الاقتصادية وفتح الباب أمام احتجاجات اجتماعية متصاعدة.
توازنات جديدة: ولادة نظام متعدد الأقطاب
الحرب في أوكرانيا سرّعت انهيار وهم القطب الأميركي الواحد. برزت الصين كقوة وازنة في الوساطة والاقتصاد، وظهرت روسيا كقوة صامدة رغم الحصار. ومع صعود تحالفات مثل "بريكس" وتوسّعها، يتشكل تدريجيًا نظام دولي متعدد الأقطاب يُعيد توزيع موازين القوة بعيدًا عن الهيمنة الغربية المطلقة.
خلاصة: حرب أبعد من حدود أوكرانيا
ليست حرب أوكرانيا صراعًا إقليميًا محدودًا، بل معركة كبرى على شكل العالم المقبل. إنها ليست النهاية بل الفصل الأول من مواجهة طويلة لإعادة هندسة النظام الدولي. فبينما تُستنزف أوروبا، وتتكيف روسيا، ويصعد الشرق، يظل المشهد مفتوحًا على تحولات عميقة لن تقف عند حدود كييف.