
التطبيع كأداة جيوسياسية لا خيار شعبي
لم يأتِ التطبيع استجابةً لوعي مجتمعي أو لحاجة داخلية، بل كترجمة مباشرة لضغوط أميركية وإسرائيلية. فهو يُعلن في القمم والاتفاقيات، بينما تغيب عنه صناديق الاقتراع وآراء الشارع. هذه الفجوة بين السلطة والشعب تؤكد أن المسألة ليست "تحولًا طبيعيًا" في المواقف العربية، بل خطوة فوقية تُفرض على الوعي العام، مدعومة بأجهزة إعلام ضخمة تسعى إلى إعادة تشكيل المخيال الجمعي.
الوصاية الغربية وإعادة صياغة الإقليم
التطبيع لا ينفصل عن مشروع أكبر: إعادة هندسة الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالح الطاقة والأمن الغربي. إنه امتداد لخرائط سايكس–بيكو، لكن بلغة الاقتصاد والتحالفات الأمنية بدل الحدود العسكرية. جوهره ليس تحقيق السلام، بل إدماج إسرائيل في النظام الإقليمي كحارس للمصالح الغربية وضامن لإخضاع القرار العربي.
الرفض الشعبي: ذاكرة المقاومة أقوى من الدعاية
على الرغم من الحملات الإعلامية التي تسعى لتطبيع الوعي الجمعي، تكشف استطلاعات الرأي ومظاهر الشارع أن الشعوب لا تزال متمسكة بذاكرة الصراع والحقوق الفلسطينية. فالمخزون التاريخي للمقاومة، بما يحمله من رموز ومعانٍ، يواجه ماكينة الدعاية السياسية، ويمنع التطبيع من التحول إلى ثقافة مستقرة. إن الفجوة بين "الخطاب الرسمي" و"الوعي الشعبي" هي التناقض الأكبر الذي يهدد هذه المشاريع.
من "سلام اقتصادي" إلى "تحالف أمني": إعادة التسويق
حين فشل خطاب "السلام مقابل الازدهار" في إقناع الرأي العام، أعادت الأنظمة تسويق التطبيع تحت شعار "الأمن الإقليمي". وهكذا انتقلت اللغة من الاقتصاد إلى الخوف، لتبرير الارتهان ضمن محور تقوده واشنطن وتل أبيب. غير أن هذا الخطاب يضع الدول العربية في موقع التابع لا الشريك، ويكشف أن التطبيع ليس مسارًا للتكامل، بل وسيلة لشرعنة الهيمنة.
خلاصة: مشروع هشّ لا جذور له
التطبيع، في جوهره، مشروع بلا قاعدة اجتماعية حقيقية. قد يفرض بقوة الإعلام والسياسة، لكنه يبقى هشًا أمام أي أزمة إقليمية أو انتفاضة شعبية. ما يُبنى على الإملاءات الخارجية يظل مؤقتًا، وما يُغرس ضد الوعي الشعبي لا يترسخ. لذلك، يبقى التطبيع وهمًا سياسيًا يتهاوى عند مواجهة حقيقة الرفض الشعبي.