
من الإعلام إلى الخوارزميات: انتقال السيطرة
ما كان يُمارس قديمًا عبر الصحف والقنوات أصبح اليوم يُمارس عبر الخوارزميات. فالمحتوى الذي يصل إلى الجمهور لم يعد عفويًا، بل يُرتّب ويُصنّف ويُفلتر وفق معايير لا يراها أحد. هذه "اليد الخفية" تجعل من الذكاء الاصطناعي أداة لصناعة الحقيقة المسموح تداولها، وإقصاء الأصوات غير المرغوبة.
الهيمنة الناعمة بواجهة تقنية
تُقدَّم أنظمة الذكاء الاصطناعي كخدمات تسهل الحياة اليومية: توصيات، إجابات، أو مساعدات ذكية. لكن خلف هذه الواجهة البسيطة، تكمن قدرة هائلة على توجيه السلوك والخيارات. فالمستخدم يظن أنه يقرر بحرية، بينما في الواقع يتم توجيه قراراته ضمن إطار محدد، يرسّخ شكلًا جديدًا من "الجبر السياسي–التقني".
احتكار المعرفة: من يملك الخوارزمية يملك القرار
أخطر ما في الذكاء الاصطناعي أن ملكية الخوارزميات الكبرى محتكرة من قوى محدودة: شركات تكنولوجية عملاقة مرتبطة بمراكز القرار الغربي. وهكذا تصبح المعرفة سلعة محتكرة، ويغدو التحكم في تدفق البيانات وسيلة مباشرة للهيمنة، بديلاً عن الاحتلال العسكري المباشر.
من الهيمنة الثقافية إلى السيطرة على المستقبل
لم يعد الصراع اليوم على الموارد فقط، بل على الوعي نفسه. من يتحكم في الذكاء الاصطناعي يتحكم في الطريقة التي يرى بها الناس العالم، وفي مستقبل الصناعات والاقتصادات والسياسات. إنه انتقال من السيطرة على الأرض إلى السيطرة على الإدراك، ومن القوة الصلبة إلى القوة الناعمة الرقمية.
خلاصة: تكنولوجيا بلا براءة
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد اختراع، بل مشروع استراتيجي يعيد تشكيل المجتمعات وفق مصالح القوى المالكة له. وإذا كان الإعلام التقليدي قد صنع وعيًا زائفًا في القرن العشرين، فإن الخوارزميات اليوم تصنع وعيًا أشد عمقًا وخفاءً. إنها وصاية ناعمة بلباس المستقبل.