شنغهاي 2025: قمة تعيد توزيع القوة وتربك واشنطن.. نهاية الاحتكار الأمريكي

قمة شنغهاي في تيانجين (31 أغسطس–1 سبتمبر 2025) كانت رسالةً مباشرة إلى النظام الدولي: أوراسيا تُعيد ترتيب قواعد اللعب. بالنسبة للعالم العربي، خصوصًا الخليج ومصر، فالتداعيات تتجاوز البروتوكول إلى إعادة تموضع اقتصادي–أمني يقلّص الاعتماد على الغرب ويمنح هامش مناورة أوسع مع واشنطن. ما يلي قراءة مركّزة لما يعنيه ذلك لنا، وللوضع الأميركي في الإقليم.

ماذا تغيّر فعليًا؟

  • إعلان تسريع بنك تنموي لمنظمة شنغهاي ومنصة للتعاون في الطاقة، مع حِزم تمويلية (منح/قروض) تُدار خارج المظلّة الغربية، يفتح قناة تمويل بديلة للدول الشريكة، ومنها دول عربية حاصلة على صفة «شريك حوار» كالسعودية والإمارات ومصر والكويت وقطر. 

  • ترسيم خطاب التعددية القطبية ومواجهة “الهيمنة” يعني عمليًا إضعاف سلاح العقوبات والدولرة، وهو ما يهمّ منتجي الطاقة العرب الذين يفاوضون الغرب والشرق معًا. 

المكاسب العربية المحتملة

1) تمويل وتنويع اقتصادي

  • الوصول إلى تمويلات غير مشروطة سياسيًا نسبيًا (مقارنة بالمؤسسات الغربية) لمشاريع موانئ، لوجستيات، طاقة متجددة وهيدروجين، وربطها بممرات “الحزام والطريق” و«إنتركونكت» كهربائي آسيوي–عربي. البنك المقترح و«منصة الطاقة» قد يصبحان مظلّة تنفيذية لذلك.

2) هندسة طاقة جديدة

  • إمكان مواءمة سياسات أوبك+ (مع روسيا) مع منصّة طاقة تابعة لشنغهاي يعزّز تسعيرًا مرنًا وتدفقات متنوّعة شرقًا، ويمنح الخليج رافعة تفاوض مع الغرب حول الأسعار والرسوم الكربونية. 

3) فضاء تقني بديل

  • دعوات بكين إلى مركز تعاون في الذكاء الاصطناعي، وإتاحة منظومة BeiDou للملاحة لأعضاء المنظمة وشركائها، تتيح للعواصم العربية تخفيف الاعتماد على تقنيات أميركية–أوروبية في الاتصالات والملاحة والصناعة الدفاعية الخفيفة. 

4) تعظيم هامش المناورة مع واشنطن

  • الانخراط العربي كـ«شريك حوار» داخل شنغهاي يمنح ورقة ضغط في ملفات التسليح، شروط التجارة، والرسوم، بدل التموضع الأحادي ضمن المظلّة الأميركية. (السعودية، الإمارات، مصر، الكويت، قطر نلن وضع «شريك حوار» خلال 2022–2023). 

المخاطر وحدود الرهان

1) سقف أمني منخفض

  • شنغهاي ليست حلفًا دفاعيًا مُلزِمًا؛ لا مادة خامسة ولا مظلّة ردع جاهزة. الاعتماد الأمني العربي سيبقى مختلطًا (أميركي/أوروبي) مع توسّع التعاون الشرقي في التدريب والتقنيات. أي توقع بديـل أمني كامل عن واشنطن مبالغٌ فيه

2) تناقضات داخلية في أوراسيا

  • توتّر الصين–الهند البنيوي، وتقاطعات روسيا–الهند مع إيران، يضع سقفًا لسرعة التكامل. العرب بحاجة سياسة «تعدّد مسارات» لا تربط مصيرها بمحور واحد داخل المنظمة. 

3) حساسية العقوبات

  • أي اندماج مالي عميق مع موسكو أو طهران قد يعرض مصارف عربية لـمخاطر ثانوية (عقوبات وتعطيل مقاصة بالدولار). الحل: قنوات مخصّصة، تسويات ثنائية بالعملات المحلية، وإبقاء ممرٍ آمن مع النظام المالي الأميركي. 

كيف ينعكس ذلك على واشنطن في الإقليم؟

  • تآكل بطيء للنفوذ: مع وجود منصّات تمويل وطاقة غير غربية، تتراجع قدرة واشنطن على «الاشتراط السياسي» مقابل التمويل أو التسليح، خاصة لدى دولٍ تملك بدائل آسيوية–أوراسية. 

  • تحوّل أدوات الضغط: بدل سيف العقوبات، ستعتمد واشنطن أكثر على صفقات تكنولوجية متقدمة، ضمانات أمنية انتقائية، واتفاقات تجارة حرة ثنائية لتثبيت نفوذها.

  • زيادة كلفة الإقصاء: كلما توسّعت شبكة شنغهاي (انضمام بيلاروس 2024، وتعاظم الشركاء)، ارتفع ثمن تجاهل مواقف هذا التكتّل في ملفات فلسطين، إيران، البحر الأحمر، والطاقة.

توصيات عملية للعواصم العربية

  1. استغلال صفة «شريك حوار» لانتزاع تمويلات سريعة للبنية التحتية العابرة للحدود (موانئ–سكك–كهرباء) مع اشتراط نقل تقنية حقيقي. 

  2. تنويع التسويات: توسيع استخدام العملات المحلية في تجارة الطاقة والسلع مع آسيا مع الحفاظ على بوابة الدولار للسيولة العالمية. 

  3. توأمة أوبك+–شنغهاي: ربط ملفات تسعير النفط، الهيدروجين الأخضر، والبتروكيماويات بمسارات تمويل البنك المقترح. 

  4. حماية مصرفية: إنشاء قنوات دفع «مُعزَّلة المخاطر» للتعامل مع روسيا/إيران، وتجنّب اختلاطها بالمصارف المرتبطة بالدولار.

  5. مقاربة فلسطين: توظيف خطاب «السيادة وعدم التدخل» داخل شنغهاي لتوسيع الاعترافات، ودفع مسارات إعادة الإعمار والضغط على قيود السلاح والتمويل التي تعرقلها المنظومات الغربية. 

خلاصة

القمة ثبّتت انتقال شنغهاي من «منتدى أمني» إلى منصّة اقتصادية–مؤسسية تسعى إلى موازنة النظام الغربي. للعرب، الفرصة متاحة لبناء استقلالية استراتيجية مدروسة: تمويل بديل، أسواق وتقنيات شرقية، وهامش تفاوض أوسع مع واشنطن. أما أميركا، فلن تغادر المنطقة، لكنها ستجد نفسها مضطرة إلى صفقة جديدة أقل إملاءً وأكثر اعترافًا بتعدّد الأقطاب.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.