
الضرائب كأداة جبر سياسي
رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 12% لم يكن قرارًا ماليًا بحتًا، بل أداة لإخضاع الشعب إلى منطق التقشف المفروض من الأعلى. ففي حين تُقدَّم هذه الزيادة بوصفها "ضرورة لإصلاح الاقتصاد"، فإنها في الواقع تكشف آلية الجبر السياسي: المواطن البسيط يُستنزف من دخله المحدود، بينما تُحصّن النخب نفسها من الأعباء عبر الامتيازات. هذا التناقض فجّر السؤال الأخطر: من يدفع الثمن الحقيقي لسياسات الدولة؟
امتيازات النواب كرمزية للفساد
بدل السكن الشهري الذي بلغ 50 مليون روبية (حوالي 3,270 دولار) لم يكن مجرد رقم في الموازنة، بل رمز فجّ للانفصال بين الحاكم والمحكوم. أن يحصل نائب واحد على ما يعادل دخل عامل إندونيسي في عام كامل، وفي لحظة يُطلب فيها من الشعب التضحية، كان بمثابة إهانة جماعية. لذلك لم يكن غريبًا أن تتحول المظاهرات إلى رفض جذري للطبقة السياسية كلها، لا مجرد اعتراض على قانون ضريبي.
الشرعية تحت المحك
عندما يلجأ النظام إلى العنف ضد المحتجين بدل الاستماع إليهم، فإنه يُدخل نفسه في دائرة فقدان الشرعية. فالقوة قد تُسكِت الشارع مؤقتًا، لكنها لا تُلغي الأسئلة الكبرى حول العدالة الاجتماعية ومشروعية الحكم. الاحتجاجات الأخيرة كانت مؤشرًا على أن التوازن بين الدولة والمجتمع بدأ يختل، وأن الصبر الشعبي أمام سياسات التهميش وصل إلى نهاياته.
إنذار يتجاوز إندونيسيا
القضية ليست إندونيسية محضة، بل إنذار يتجاوز حدود البلد. كل نظام يفرض الضرائب على الضعفاء ويمنح الامتيازات للأقوياء، سيواجه عاجلًا أو آجلًا لحظة انفجار مماثلة. ما جرى في جاكرتا هو مرآة لخلل أوسع في النظم السياسية التي تدير شعوبها بالجبر لا بالمشاركة، وبالامتيازات لا بالعدالة.
الخاتمة
المظاهرات الإندونيسية لم تنتهِ بإلغاء امتيازات النواب فحسب، بل تركت جرحًا مفتوحًا في علاقة الدولة بمواطنيها. لقد أدرك الشعب أن صوته قادر على زعزعة أركان السلطة، وأدركت السلطة أن استمرارها لن يكون ممكنًا من دون إعادة النظر في منطق الحكم نفسه. إنها لحظة فارقة تعلن أن زمن الامتيازات المنفصلة عن واقع الشعوب لم يعد مقبولًا.