
البنية الداخلية الهشة
منذ البداية، ورث البشير دولة ضعيفة تعاني من:
- تنوع عرقي وديني غير مُدار سياسيًا: حيث فشلت النخب في صياغة عقد اجتماعي يوحد الشمال والجنوب والغرب.
- حروب أهلية مزمنة: أبرزها في الجنوب الذي انتهى بانفصال 2011، وحرب دارفور التي شكلت جرحًا عميقًا في الجسد السوداني.
- اقتصاد ريعي هش: اعتمد على النفط بعد اكتشافه، ثم انهار بعد انفصال الجنوب الذي أخذ معه 75% من الاحتياطي.
المشروع الإسلامي ومأزق السلطة
البشير جاء عبر "الإنقاذ الوطني" متحالفًا مع الحركة الإسلامية، لكن سرعان ما تحولت الشعارات إلى وسيلة لتثبيت السلطة:
- تمكين النخبة العسكرية–الإسلامية في مؤسسات الدولة.
- تقييد الحريات السياسية والإعلامية.
- عسكرة المجتمع عبر جهاز أمني واسع النفوذ.
هذا النهج أكسب النظام قدرًا من السيطرة لكنه أفقده المرونة وأغرقه في صراعات مع المعارضة والمجتمع الدولي.
التدخلات الغربية والعزلة الدولية
الغرب تعامل مع البشير كساحة ضغط ومساومة:
- العقوبات الأمريكية (منذ 1997): استهدفت الاقتصاد والنظام المصرفي، وأدت إلى عزلة خانقة.
- ملف الإرهاب: السودان أُدرج في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وظل رهينة لهذا التصنيف حتى بعد محاولات التعاون الاستخباراتي.
- المحكمة الجنائية الدولية (2009): مثّلت نقطة تحول، حيث صار البشير أول رئيس تُوجّه له مذكرة توقيف أثناء الحكم بتهمة جرائم حرب في دارفور.
- التوظيف الغربي للملفات الإنسانية: مثل قضية دارفور التي تحولت إلى ذريعة لإدارة الملف السوداني وفق أجندة دولية، بينما ظل المدنيون يدفعون ثمن الصراع.
لعبة التوازنات الخارجية
للتخفيف من الضغط الغربي، حاول البشير اللعب على عدة محاور:
- التقارب مع الصين وروسيا اقتصاديًا وعسكريًا.
- الاستعانة بالدعم الخليجي، خصوصًا بعد المشاركة في حرب اليمن.
- مغازلة واشنطن عبر التعاون الأمني ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
لكن هذه التوازنات لم تُنتج استقلالًا استراتيجيًا، بل أبقت السودان بين المطرقة الغربية وسندان الحاجة للدعم الخارجي.
إرث البشير: دولة مُنهكة
مع سقوط البشير، كان السودان قد خرج من ثلاثة عقود مثقلًا بـ:
- انفصال الجنوب وخسارة النفط.
- اقتصاد منهار تحت وطأة العقوبات والفساد.
- نسيج اجتماعي مفكك بفعل الحروب الأهلية.
- عزلة دولية لم تفك إلا جزئيًا في سنواته الأخيرة.
الخلاصة
حكم البشير لم يكن مجرد تجربة استبداد فردي، بل مرحلة جسدت مأزق الدولة السودانية: ضعف البنية الداخلية، غياب المشروع الوطني الجامع، وتغلغل التدخلات الخارجية. لقد تمكن الغرب عبر العقوبات والضغوط والملفات الإنسانية من جعل السودان رهينة لإرادته، بينما انشغل النظام بالتمسك بالسلطة على حساب بناء دولة مستقرة.