السودان: لماذا لم تربح بعد سقوط البشير؟

لم يكن سقوط عمر البشير في أبريل 2019 مجرد نهاية لثلاثة عقود من الحكم، بل كان اختبارًا حقيقيًا لقدرة السودان على بناء دولة جديدة تتجاوز الاستبداد، وتستعيد سيادتها الممزقة. غير أنّ ما تلا سقوط النظام لم يكن مشروعًا وطنيًا جامعًا، بل صراعًا بين مكونات متنافرة، تتداخل فيه الأجندة الداخلية مع الوصاية الخارجية.

فراغ السلطة بعد البشير

البشير أسقطه الشارع، لكن من خلفه لم يكن مشروعًا متماسكًا بل فسيفساء من القوى: الجيش الذي يرى نفسه صاحب الحق الحصري في الحكم، الحركات المسلحة الباحثة عن نصيب في السلطة والثروة، والقوى المدنية التي انقسمت على ذاتها بين رؤى إقصائية وأخرى توافقية. هذا التنافر جعل الانتقال هشًا منذ البداية، بلا رؤية واضحة ولا مؤسسات ضابطة.

وصاية الخارج وصناعة التوازنات

منذ اليوم الأول، لم يكن القرار السوداني نابعًا من الداخل فقط، بل تحكمت فيه قوى خارجية:

  • الغرب تعامل مع السودان كملف أمني أكثر من كونه دولة ذات سيادة، فربط المساعدات بالإصلاحات المرسومة سلفًا.
  • الخليج سعى للنفوذ عبر دعم بعض الأطراف العسكرية وتمويلها، مقابل السيطرة على موانئ البحر الأحمر وطرق التجارة.
  • الإقليم الإفريقي نفسه دخل على الخط، ليصبح السودان ساحة توازنات بين إثيوبيا، مصر، وتشاد.

هذا التنازع الخارجي جعل الانتقال مشروطًا ومكبلاً، حيث صارت الأولويات مرتبطة بمصالح الآخرين لا بمصلحة السودان.

من الانتقال إلى الحرب

فشل التوافق المدني–العسكري لم يكن مجرد خلاف سياسي، بل مقدمة لانفجار مسلح. الجيش أراد تكريس سلطته التاريخية، بينما تمدد الدعم السريع كقوة موازية فرضها الخارج وبعض الترتيبات الإقليمية. وحين انعدم ميزان التوازن، تحولت الخرطوم وغيرها إلى ساحات حرب، وضاع حلم الثورة في ركام الصراع.

اقتصاد منهار ومجتمع ممزق

السودان ما بعد البشير لم يشهد تحسنًا اقتصاديًا، بل تدهورًا غير مسبوق:

  • انهيار العملة وارتفاع التضخم.
  • هروب الاستثمارات وضعف الإنتاج الزراعي رغم امتلاك البلاد واحدة من أخصب الأراضي في العالم.
  • نزوح ملايين السودانيين بسبب الحرب الأخيرة، ما حوّل الأزمة من سياسية إلى إنسانية وجودية.

الخلاصة: أزمة بنيوية لا شخصية

إن مأساة السودان تكشف أن المشكلة لم تكن في شخص البشير وحده، بل في بنية الدولة السودانية ذاتها:

  • مؤسسات ضعيفة وهشة.
  • غياب المشروع الوطني الجامع.
  • ارتهان القرار السوداني للوصاية الخارجية.

ولهذا لم يكن سقوط البشير انتصارًا كاملًا، بل كشفًا لمدى عمق الانهيار. السودان لم يجد بديلًا أفضل، بل انزلق إلى مرحلة أخطر، حيث تتهدد سيادته ووحدته ووجوده ذاته.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.