
اقتصاد يواجه الجيوسياسة
المنشأة ليست مجرد مشروع تقني، بل إعلان عن تحالف استراتيجي. فنزويلا الخاضعة لعقوبات أميركية قاسية منذ سنوات، وجدت في الصين منفذًا اقتصاديًا لكسر الحصار. أما بكين، فتنظر إلى هذه الخطوة كوسيلة لترسيخ حضورها في سوق الطاقة بأميركا اللاتينية، عبر نموذج عائم يمكن نسخه وتوسيعه.
كسر الطوق الأميركي
العقوبات الأميركية اعتمدت على عزل كاراكاس عن النظام المالي والدولاري. لكن دخول الصين يفتح خطًا موازيًا: تسعير باليوان، مقايضة سلع، أو تمويل سيادي صيني. خطورة هذا التطور لا تكمن في حجم النفط، بل في رمزية تجاوز العقوبات الأميركية، بما قد يشجع دولًا أخرى في المنطقة على السير في المسار نفسه.
الطاقة كسلاح استراتيجي
رغم أن إنتاج 60 ألف برميل يوميًا يبدو ضئيلاً أمام عمالقة أوبك، إلا أن له قيمة استراتيجية:
- يثبت قدرة الصين على تشغيل مشاريع خارج السيطرة الغربية.
- يمنح فنزويلا متنفسًا ماليًا يعزز صمودها.
- يفتح الباب لتوسعة لاحقة تشمل موانئ ومنشآت أكبر على السواحل الكاريبية.
رد الفعل الأميركي المحتمل
1. التصعيد والعقوبات
واشنطن قد تستهدف الشركات الصينية المشاركة بالعقوبات، وتسعى لبناء تحالف إقليمي لعزل فنزويلا، وربما تستخدم نفوذها داخل أوبك+ لإغراق السوق وإضعاف الجدوى الاقتصادية للمشروع. لكن هذا الخيار يسرّع ارتماء كاراكاس في أحضان بكين.
2. إعادة التفاوض
إدراكًا لمحدودية سياسة الخنق، قد تعيد الولايات المتحدة فتح قنوات تفاوض، مانحة تراخيص لشركات أميركية (مثل شيفرون) لضخ النفط الفنزويلي. الهدف: احتواء الصين عبر السماح بتدفق محدود تحت إشراف أميركي، دون أن تتحول فنزويلا إلى قاعدة صينية كاملة.
3. التحرك غير المباشر
من خلال دعم المعارضة الفنزويلية، الضغط على الجوار (كولومبيا والبرازيل)، أو الرهان على أن تتحمل بكين كلفة ضخمة في بيئة غير مستقرة، مما قد يعرض المشروع للتعثر أو الاستهداف.
معركة النفوذ في نصف الكرة الغربي
بالنسبة للصين، المشروع اختبار نوعي: هل يمكنها التمدد في قلب المجال الحيوي الأميركي دون مواجهة مفتوحة؟
بالنسبة لفنزويلا، النجاح يعني تحررًا نسبيًا من الرقابة النفطية الأميركية واستعادة هامش مناورة دولي.
أما بالنسبة لواشنطن، فالتحدي لا يكمن في البراميل، بل في الرمزية الجيوسياسية: إذا سمحت بتمدد صيني هنا، قد يتكرر المشهد في الإكوادور، بوليفيا، وربما المكسيك.
الخلاصة
منشأة النفط العائمة ليست استثمارًا اقتصاديًا بحتًا، بل معركة صامتة على قواعد اللعبة الدولية. فنزويلا تكسر العزلة تدريجيًا، والصين تبعث برسالة واضحة: النفوذ الأميركي في أميركا اللاتينية لم يعد مطلقًا. أما واشنطن، فهي عالقة بين التصعيد الذي يعزز خصومها، والتسوية التي تمنحهم شرعية. نحن أمام مشهد جديد يختبر توازن القوى العالمي، حيث يتحول برميل النفط من سلعة اقتصادية إلى أداة لإعادة تشكيل الخرائط السياسية.