إسرائيل: ماذا ربحت من حرب غزة وماذا خسرت؟

لم تكن حرب غزة مواجهة عابرة أو جولة عسكرية قصيرة، بل مثّلت اختبارًا شاملًا لإسرائيل على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية. وبينما أعلنت إسرائيل عن نجاحات ميدانية وتراجع في قدرات المقاومة الفلسطينية، فإن الثمن الذي دفعته كان باهظًا في الداخل والخارج. ما يبدو مكسبًا في ساحة القتال قد يتحول إلى عبء استراتيجي طويل الأمد. في هذا المقال نستعرض ما ربِحته إسرائيل، وما خسرته في المقابل.

أولًا: المكاسب الإسرائيلية

1. إضعاف البنية العسكرية للمقاومة

نجحت إسرائيل في استهداف الأنفاق والمخازن ومواقع الإطلاق، مما قلّل جزئيًا من قدرة حماس على إطلاق الصواريخ بكثافة. كما دُمّرت بعض مراكز القيادة والسيطرة. اعتبرت القيادة العسكرية ذلك تعزيزًا لمعادلة "الردع"، ولو بشكل مؤقت.

2. تراكم الخبرة القتالية والاستخباراتية

شكّلت الحرب فرصة لاختبار أنظمة الدفاع مثل "القبة الحديدية" و"مقلاع داود"، ولتحسين وسائل الاستطلاع وجمع المعلومات. كما حصل الجيش على بيانات واسعة حول تكتيكات المقاومة، ما يعد مكسبًا أمنيًا طويل المدى.

3. استعادة رمزية لبعض الرهائن

ساهمت عمليات محدودة وتبادلات جزئية في استرجاع عدد من الرهائن، وهو ما استُخدم سياسيًا لتعزيز صورة الحكومة أمام الداخل الإسرائيلي، رغم محدودية الإنجاز عمليًا.


ثانيًا: الخسائر الإسرائيلية

1. التكلفة الاقتصادية

تجاوزت تكلفة العمليات مليارات الدولارات، بين تعبئة قوات، قصف متواصل، وتراجع الاستثمارات. كما تأثرت السياحة والتكنولوجيا، ما انعكس سلبًا على النمو وزاد العجز في الموازنة.

2. تآكل الشرعية الدولية

تعرّضت إسرائيل لموجة إدانات دولية متصاعدة. دول أوروبية بدأت بتقييد تصدير السلاح، فيما وُجّهت اتهامات أمام محاكم وهيئات دولية بارتكاب جرائم حرب. هذه الضغوط تعمّق عزلة إسرائيل وتحد من حركتها السياسية.

3. تصدّع الجبهة الداخلية

أفرزت الحرب انقسامًا داخليًا حادًا بين تيارات متناقضة: من يطالبون بحسم عسكري بأي ثمن، ومن يرون أن الحرب فاقمت الأزمة وأضعفت الموقف الاستراتيجي. هذا الانقسام انعكس في احتجاجات وتراجع الثقة بالقيادة السياسية.

4. اتساع نطاق التهديدات

لم تبقِ الحرب على جبهة غزة فقط، بل امتدت تداعياتها إلى لبنان والضفة الغربية والبحر الأحمر. هذا الاستنزاف المتعدد يزيد من صعوبة الحفاظ على "نصر" ميداني محدود.

5. الأعباء الإنسانية والأخلاقية

الدمار الواسع في غزة، وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين، خلّف أثرًا سلبيًا عميقًا على صورة إسرائيل عالميًا. ورغم محاولات التبرير الإعلامي، فإن حجم الخسائر الإنسانية عزّز سردية مضادة تجعل إسرائيل أكثر عزلة وأقل قدرة على كسب التعاطف الدولي.


ثالثًا: التوازن بين الربح والخسارة

بالجمع بين النتائج، يتضح أن إسرائيل حصدت بعض المكاسب التكتيكية القصيرة: تقليص نسبي لقدرات المقاومة، وتحسين منظوماتها الدفاعية، واكتساب معلومات جديدة. لكن هذه المكاسب لا توازي ما خسرته من مكانة سياسية وشرعية دولية، إضافة إلى الكلفة الاقتصادية والانقسام الداخلي. لقد تحوّل "النصر العسكري" إلى عبء استراتيجي يصعب التخلّص منه.


خاتمة

ربحت إسرائيل بعض النقاط في ساحة القتال، لكنها تخسر تدريجيًا على المستويات الأوسع. فاقتصاد متراجع، وشرعية دولية متآكلة، وجبهات مفتوحة، تجعل أي مكسب عسكري بلا قيمة سياسية مستدامة. ومن دون خطة سياسية تعالج جذور الصراع وتمنع إعادة إنتاج المواجهات، ستبقى إسرائيل تدور في الحلقة نفسها: مكاسب محدودة، وخسائر عميقة وطويلة الأمد.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.