إيران: هل تكسب من الحرب مع إسرائيل أم تُستنزف؟

منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل في يونيو 2025، بدا المشهد مختلفًا عن الحروب السابقة التي دارت بالوكالة عبر حلفاء طهران. هذه المرة دخلت إيران نفسها إلى المعركة بشكل معلن، لتضع العالم أمام واقع جديد: حرب مفتوحة بين قوتين إقليميتين، على مرأى ومسمع من القوى الكبرى. السؤال الأعمق هنا ليس عمّن يطلق الصواريخ أكثر، بل: هل تحقق إيران مكاسب استراتيجية من هذه الحرب، أم أنها تُستنزف ببطء؟

1. تثبيت موقع إيران كقوة لا يمكن تجاوزها

الحرب منحت طهران ما سعت إليه منذ سنوات: أن تُعامل كطرف إقليمي مباشر، لا مجرد راعٍ للفصائل المسلحة. للمرة الأولى تجد إسرائيل نفسها مضطرة لخوض مواجهة معلنة مع إيران، وهذا بحد ذاته مكسب استراتيجي يعيد تشكيل صورة إيران في الوعي الإقليمي والدولي كقوة قادرة على فرض حضورها.

2. اختبار القوة العسكرية وإثبات التطوير

الترسانة الإيرانية من الصواريخ والمسيّرات لم تعد حكرًا على ساحات غير متكافئة، بل استُخدمت ضد جيش يمتلك أقوى منظومات دفاعية في العالم. حتى وإن اعترضت إسرائيل معظم الهجمات، فإن مجرد نجاح بعضها في اختراق القبّة الحديدية أو تهديد قواعد أمريكية، مثّل رسالة قوية: إيران ليست محاصَرة تقنيًا كما أراد الغرب تصويرها.

3. توسيع النفوذ عبر "محور المقاومة"

الحرب أتاحت لطهران تفعيل حلفائها على أكثر من جبهة: من لبنان إلى اليمن مرورًا بالعراق. هذا التوظيف لا يُقرأ فقط كمساندة عسكرية، بل كعرض عملي لمدى اتساع المجال السياسي الإيراني في المنطقة. هنا، تُثبت إيران أنها ليست دولة معزولة، بل مركز شبكة إقليمية تستطيع الضغط في أكثر من ساحة في وقت واحد.

4. استنزاف إسرائيل وإرباك الغرب

حتى دون انتصارات ميدانية كبرى، يكفي طهران أنها دفعت إسرائيل إلى حالة دفاعية مستمرة، وأنها فرضت على واشنطن إنفاقًا عسكريًا وسياسيًا ضخمًا لحماية تل أبيب. كل صاروخ إيراني يُطلق لا يقاس فقط بالخسائر المباشرة، بل بكلفة تشغيل الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية والأمريكية. هذا يفتح ثغرة في صورة "التفوق الإسرائيلي المطلق" التي طالما روّج لها الغرب.

5. حدود المكاسب: ثمن باهظ على الداخل الإيراني

لكن الصورة ليست وردية بالكامل. إيران تدفع ثمنًا اقتصاديًا وعسكريًا ثقيلًا:

  • العقوبات الغربية تُضاعف الخناق على اقتصادها.
  • حرب الاستنزاف تستنزف قدراتها المالية واللوجستية.
  • خطر الانزلاق إلى مواجهة أوسع مع الولايات المتحدة يظل قائمًا، وهو سيناريو قد يقلب المكاسب إلى خسائر فادحة.

خاتمة: مكاسب مؤقتة أم تحول استراتيجي؟

الحرب الحالية تمنح إيران مكاسب سياسية ومعنوية لا يُستهان بها: تكريس نفسها كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، وكسر صورة "المحاصَر الضعيف". لكنها في المقابل تُخاطر بأن تتحول هذه المكاسب إلى عبء إذا طالت الحرب أو تصاعدت إلى مواجهة أوسع. باختصار، إيران تكسب حضورًا وهيبة في المعادلة الإقليمية، لكنها تخسر استنزافًا وتوترًا داخليًا قد يُطيح بثمار هذه المكاسب إذا لم تُحسن إدارة الصراع.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.