أفغانستان: المساعدات الدولية بعد الزلزال.. إنقاذ أرواح أم استغلال سياسي؟

في أواخر أغسطس 2025، ضرب زلزال مدمّر مناطق جبلية نائية في أفغانستان، مخلفًا آلاف الضحايا والمصابين، ودمر البنية التحتية في مقاطعات مثل كُنَر ونانغارهار. على الفور، أطلقت المنظمات الدولية نداءات إنسانية عاجلة لتقديم الغذاء والمأوى والرعاية الطبية، فيما أعلنت دول عدة عن إرسال مساعدات عاجلة. هذه الأزمة الإنسانية الكبرى كشفت الوجه الحقيقي للمساعدات الدولية: بين إنقاذ الأرواح واستثمار النفوذ السياسي.

البعد الإنساني الصريح

الجهات الإنسانية الدولية، مثل الأمم المتحدة، الصليب الأحمر الدولي، الهلال الأحمر الأفغاني، ومنظمات مثل "أطباء بلا حدود" و"أنقذوا الأطفال"، ركزت جهودها على ما هو جوهري: إنقاذ الأرواح وتخفيف معاناة الناجين. تم توفير الغذاء والمياه النظيفة، وتوزيع الخيام والبطانيات، وإرسال فرق طبية إلى المناطق الأكثر صعوبة وصولًا.

مثل هذه المساعدات تمثل الجانب النقي للإنسانية، فهي تأتي وفق خطط شفافة، وبتنسيق مباشر مع المجتمعات المحلية، بعيدًا عن أي أهداف سياسية صريحة. الدول المانحة، مثل أستراليا وتركيا، وفرت موارد مباشرة للمناطق المتضررة، مما يعكس التزامًا إنسانيًا عاجلًا يوازي حجم الكارثة.

البعد السياسي المستتر

مع ذلك، لا يمكن فصل المساعدات الدولية عن سياقها السياسي، خصوصًا في أفغانستان بعد سيطرة طالبان. الصين وروسيا، على سبيل المثال، لم تقدّم المساعدات بشكل إنساني محايد بالكامل؛ فإرسال خيام، بطانيات، وإمدادات ضخمة عبر رحلات جوية، يعكس محاولة لتوسيع النفوذ الإقليمي وإظهار دور قيادي أمام الحكومة الأفغانية الجديدة والمجتمع الدولي.

أيضًا، دول مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية فضّلت توجيه مساعداتها عبر منظمات أممية ودولية دون المرور بطلبة طالبان، ما يشير إلى استراتيجية سياسية للحد من سيطرة الحركة على الموارد الإنسانية. حتى باكستان والهند، اللتان أرسلتا مساعدات ضخمة، استغلتا الأزمة لتعزيز نفوذها داخل المجتمعات المتضررة، وهو بعد دبلوماسي يتجاوز الطابع الإنساني.

الأزمة بين الإنسانية والسياسة

الزلزال في أفغانستان أعاد إلى الواجهة معضلة عالمية قائمة منذ عقود: في أزمات كبرى، تصبح المساعدات أداة مزدوجة. فبينما تنقذ الأرواح، يمكن أن تصبح وسيلة للضغط السياسي أو تعزيز النفوذ الدولي. وهذا يطرح تساؤلات حقيقية حول الشفافية، وصول المساعدات إلى مستحقيها، وتحقيق التوازن بين الهدف الإنساني والبعد الجيوسياسي.

خلاصة نقدية

  • الجانب الإنساني: لا غنى عنه، ويُظهر العالم قدرته على التعاون العاجل في الكوارث الطبيعية.
  • البعد السياسي: حاضر ضمنياً، ويستغل بعض الدول الأزمة لتعزيز النفوذ أو لإرسال رسائل دبلوماسية ضمنية.
  • الدروس المستفادة: من الضروري اعتماد آليات مراقبة دولية شفافة لضمان وصول المساعدات فعليًا للمتضررين، وتقليل أي استغلال سياسي.

    في النهاية، تبقى كارثة أفغانستان اختبارًا عالميًا للضمير الإنساني، وإشارة واضحة إلى أن المساعدات الدولية، مهما كانت نواياها طيبة، لا تستطيع الفصل التام بين الإنسانية والسياسة.

    +
    أحدث أقدم

    ويجيد بعد المقال


    تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.