قطر: قاعدة العديد.. للحماية أم أداة للوصاية الأمريكية على قطر؟

من درع أمني مزعوم إلى أداة ضبط سياسي.

الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة لم تكن مجرد عمل عسكري عابر، بل لحظة كاشفة عن حقيقة التوازنات في الخليج، وعن طبيعة العلاقة بين قطر وواشنطن. فمن المفترض أن قاعدة العديد الجوية – أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط – وُجدت على الأراضي القطرية لتكون ضمانة أمنية، و"درعًا" يحول دون أي تهديد خارجي. لكن على أرض الواقع، حين اهتزت الدوحة بصواريخ إسرائيلية، ظلّت القاعدة صامتة، وكأن وظيفتها لا تشمل حماية الدولة المضيفة نفسها.

القاعدة كأداة للهيمنة لا للحماية

قاعدة العديد ليست مؤسسة عسكرية قطرية تحت القيادة الوطنية، بل منصة أمريكية صرفة تُدار بالكامل بما يخدم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. وظيفتها الحقيقية لا تتعلق بحماية قطر، بل بتمكين واشنطن من السيطرة الجوية على مسرح واسع يمتد من شرق المتوسط إلى آسيا الوسطى. بهذا المعنى، القاعدة أشبه بـ"مركز عمليات إقليمي" أكثر من كونها درعًا للدوحة.

إن الصمت أمام الضربة الإسرائيلية يكشف المعادلة: واشنطن لا ترى في القاعدة التزامًا بحماية قطر من حليف استراتيجي مثل إسرائيل، بل أداة لضبط مواقف الدوحة والتأكد من بقائها في الفلك الأمريكي. إنها حماية مشروطة، وصاية مقنّعة، وليست سيادة كاملة.

هل كان هناك تفاهم ضمني؟

السؤال الأعمق: هل مرّت الضربة على الدوحة بدون علم واشنطن؟ هذا غير منطقي عسكريًا؛ فكل تحرك جوي في المنطقة يمر عبر رادارات القيادة الأمريكية. وإذا كانت واشنطن قد علمت وتغاضت، فهذا يعني أن العملية إما تمت برضا أمريكي ضمني، أو على الأقل باعتبارها جزءًا من لعبة الضغط السياسي على قطر.

بل يُحتمل أن تكون الدوحة نفسها قد اضطرت إلى القبول بالضربة في إطار تفاهمات أكبر، أو كـ"إشارة تحذيرية" لتعديل مواقفها في ملف حماس وغزة. فالدول الصغيرة، حين توازن بين واشنطن وطموحاتها السياسية، قد تجد نفسها مجبرة على دفع ثمن رمزي في سبيل الاستمرار بدورها الإقليمي.

الدوحة بين الدور الوسيط والوصاية الأمنية

قطر بنت لنفسها سمعة دولية كوسيط في الملفات المعقدة: من طالبان إلى غزة، ومن المحادثات النووية إلى استضافة القنوات الإعلامية المعارضة. لكن هذه السياسة المستقلة تصطدم دائمًا بسقف أمريكي واضح: لا يمكن لقطر أن تذهب بعيدًا عن الخط الغربي. والقاعدة العسكرية على أراضيها هي الضمانة الميدانية لهذا السقف.

ضربة إسرائيل للدوحة – تحت أعين الأمريكيين – ليست مجرد عمل عسكري، بل رسالة مزدوجة: للقطريين كي يضبطوا تحركاتهم، وللعالم العربي كي يفهم أن الوجود العسكري الأمريكي ليس ضمانة سيادية، بل شبكة وصاية تمتد من الخليج إلى شمال أفريقيا.

الرسالة للعالم العربي

ما جرى في الدوحة ليس تفصيلًا عابرًا. إنه نموذج يوضح كيف تُدار المنطقة تحت الوصاية الأمريكية: القواعد العسكرية لا تُبنى لحماية الشعوب أو الأنظمة بقدر ما تُبنى لحماية المصالح الغربية. وعندما تتعارض سيادة الدول مع هذه المصالح، يصبح الأمن المحلي ورقة ضغط لا أكثر.

إن قاعدة العديد هي المرآة الصافية لهذه الحقيقة: قطر محمية من خصومها الإقليميين بفضل الوجود الأمريكي، لكنها في الوقت ذاته مكشوفة أمام الضغوط الإسرائيلية والأمريكية معًا. وما حدث هو رسالة صريحة: الحماية مشروطة، الوصاية دائمة، والسيادة مرهونة بالقرار الخارجي.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.