
جودة تتراجع رغم وفرة التقنية
قبل عقود، كان المنتج يُصنع ليعيش طويلًا: الثلاجة لعشرين سنة، السيارة لربع قرن، والأجهزة الكهربائية تُورّث أحيانًا بين الأجيال. اليوم، رغم أن أدوات التصنيع صارت أكثر تقدمًا، فإن عمر المنتج الافتراضي يقصر عمدًا. هذه ليست مصادفة، بل سياسة تصنيع مبنية على اقتصاد "الدورة السريعة" للمنتجات.
الأولوية التجارية فوق حاجات المستهلك
الشركات الكبرى تعي أن متانة المنتج تضر بمبيعاتها المستقبلية. لذلك يتم تصميم الأجهزة بحيث تعمل بكفاءة محدودة لسنوات معدودة، ثم تبدأ الأعطال المتكررة. الهدف ليس العجز التقني، بل فرض دورة شراء جديدة. هنا تتحول الجودة من قيمة إنتاجية إلى أداة تسويقية سطحية: "مزايا جديدة"، "تصميم أحدث"، بينما البنية الأساسية أضعف.
ثقافة الرداءة الاستهلاكية
وسائل الإعلام والإعلان تلعب دورًا جوهريًا في تكريس هذه المنظومة. تُباع فكرة "الجديد أفضل" كقيمة اجتماعية، فيتقبل المستهلك ضعف المتانة مقابل شكل أنيق أو وظيفة إضافية ثانوية. هكذا تتكون ثقافة استهلاك سريعة، تجعل المستهلك شريكًا غير واعٍ في لعبة استنزاف ماله ووقته.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
هذه الدورة المفرغة تُضعف قدرة الفرد على الادخار، وتثقل كاهل المجتمعات بجبال من النفايات الصناعية. المستهلك يخسر مرتين: الأولى حين يدفع ثمنًا متكررًا لمنتجات قصيرة العمر، والثانية حين يتحمل آثار التلوث البيئي الناتج عن هذه الدورة. إنها معادلة الربح السريع للشركات مقابل خسارة طويلة الأمد للبشرية.
خاتمة: كيف نواجه الرداءة المقصودة؟
المستهلك أمام معضلة: بين منتجات متقنة غالية أو منتجات رديئة رخيصة تدفعه لإعادة الشراء. الحل ليس فرديًا فقط، بل ثقافي وتشريعي. فوعي المستهلك وقدرته على المطالبة بجودة حقيقية، إضافة إلى قوانين تحد من "التقادم المخطط"، هي السبيل الوحيد لكسر هذه الحلقة. وإلا، سنظل أسرى منظومة تُعيد إنتاج الرداءة باسم التقدم.