
إرث الطاقة ومعادلات السيطرة
منذ القرن العشرين، شكّل النفط والغاز قلب الصراعات الكبرى. من حروب الخليج إلى النزاعات في بحر قزوين، كانت الطاقة دومًا المحرك الخفي للقرار الدولي. ومع التحول نحو الطاقة النظيفة، لم ينخفض الصراع بل تغيّر شكله: المعادن النادرة، سلاسل التوريد، والبطاريات أصبحت معارك جديدة لا تقل خطورة عن صراع النفط. الطاقة لم تعد سلعة، بل أداة جبر سياسي واقتصادي، تتحكم بها القوى الكبرى لتثبيت مواقعها.
السلاح كاقتصاد موازٍ
بالتوازي، يعيش العالم طفرة في اقتصاد التسلح. فالحروب لم تعد استثناء، بل صناعة دائمة تغذيها الصراعات الإقليمية وتغذي معها أرباح الشركات العملاقة. الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وحتى أوروبا، جميعها ترى في تصدير السلاح وسيلة مزدوجة: ربح اقتصادي مباشر، ونفوذ سياسي غير مباشر. والنتيجة أن مناطق التوتر تحولت إلى أسواق مفتوحة، حيث يختلط منطق الربح بمنطق الدم.
تحالفات تتشكل على قاعدة الموارد
بين الطاقة والسلاح، تُعاد صياغة التحالفات. من يملك النفط أو الغاز يجد نفسه لاعبًا محوريًا رغم ضعف بنيته الداخلية. ومن يمتلك القدرة على إنتاج السلاح يجد لنفسه موقعًا على الطاولة الدولية مهما كان وضعه الاقتصادي. السعودية وروسيا في ملف الطاقة، وتركيا وإيران في ملف الصناعات العسكرية، أمثلة واضحة على دول تحاول توظيف هذه الأوراق لتثبيت موقعها في النظام العالمي الجديد.
ملامح النظام القادم: اقتصاد حرب دائم
العالم يتجه نحو صياغة نظام جديد يقوم على الاقتصاد الصراعي: إما أن تملك أوراق الطاقة والسلاح، أو تُدار بكليهما. هذه الحقيقة تجعل من أي مشروع للتنمية أو الاستقلال السياسي مرهونًا بقدرة الدول على التحرر من هذه المنظومة أو توظيفها لصالحها. وهنا تكمن خطورة المرحلة: أن يتحول العالم إلى اقتصاد حرب دائم، حيث يكون السلم مجرد هدنة بين جولات صراع.
الخاتمة
ما بين الطاقة والسلاح، ترتسم خرائط النفوذ من جديد. ليست القضية في أسعار النفط أو عقود التسلح فحسب، بل في إدراك أن العالم يتجه إلى مرحلة تُدار فيها السياسة كامتداد مباشر للاقتصاد العسكري والطاقوي. وكل دولة لا تمتلك استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه التحولات، ستجد نفسها مجرد ساحة استهلاك في لعبة تُدار من وراء البحار.