الحكومات العربية من التبعية المستترة إلى التبعية المعلنة

منذ عقود، ظلّ العالم العربي أسيرًا لعلاقة مختلة مع القوى الغربية، حيث تتحكم المصالح الأمريكية والأوروبية في مسارات السياسة والاقتصاد. غير أن الأنظمة العربية اعتادت تغليف هذه التبعية بخطاب قومي أو ديني أو وطني يهدف إلى امتصاص غضب الشارع. لكن المشهد اليوم تغيّر جذريًا: لم تعد بعض الأنظمة ترى ضرورة حتى لإخفاء ولائها، وعلى رأسها مصر التي انتقلت من التبعية المستترة في عهد مبارك إلى التبعية المعلنة في الحاضر.

مصر: من الخطاب الموارب إلى الخطاب العلني

في عهد مبارك، كان النظام المصري يتعامل بازدواجية واضحة:

  • خطابه الإعلامي يزعم التمسك بـ "الحقوق العربية" والدور القومي.
  • بينما سياساته العملية تسير وفق الهوى الأمريكي والإسرائيلي.

أما اليوم، فقد انقلب المشهد. الخطاب الرسمي نفسه بات متماهياً مع المصالح الأمريكية بشكل صريح، وكأن النظام لا يرى أي جدوى في محاولة التجميل أو المواربة أمام شعبه أو أمام الأمة.

مصر كـ"دولة وظيفية"

تجاوز الأمر حدود التبعية إلى مرحلة "الوظيفية"، أي أن الدولة لم تعد فقط تتأثر بإملاءات الخارج، بل أصبحت تنفذ مهام مرسومة لها بدقة:

  • ضبط معبر رفح وفق الإيقاع الإسرائيلي – الأمريكي.
  • الاندماج في تحالفات الغاز شرق المتوسط بما يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى.
  • تقديم نفسها كضامن أمني للمنطقة، يريح الغرب من عناء الانخراط المباشر.

مقارنة مع دول عربية أخرى

  • دول الخليج انخرطت علنًا في التطبيع والتحالفات الأمنية مع إسرائيل، لكنها تبرر ذلك بأنه "تحالف مصالح".
  • المغرب والأردن يغلّفان تبعيتهما بخطاب "المصلحة الوطنية" أو "السيادة الاقتصادية".
  • أما مصر، فتمثل النموذج الأوضح والأكثر فجاجة: لا حاجة للأقنعة، فالتبعية باتت سياسة مُعلنة.

الدلالة الأعمق

تحوّل مصر بهذا الشكل لا يخصها وحدها، بل يُراد له أن يكون نموذجًا لبقية العالم العربي: أي قبول التبعية العلنية بوصفها "طريق الاستقرار"، بعد أن كان الخطاب في الماضي يفرض بعض التوازن بين الشعارات القومية والضرورات الغربية.

الخلاصة

انتقل النظام المصري من مرحلة التبعية المستترة إلى مرحلة التبعية المعلنة، ليصبح أكثر الدول العربية صراحة في التماهي مع المصالح الأمريكية. وهذه النقلة ليست مجرد خيار سياسي داخلي، بل هي جزء من إعادة هندسة العالم العربي ليقبل بواقع التبعية بوصفه أمرًا طبيعيًا، وهو ما يجعل التجربة المصرية نموذجًا بالغ الخطورة لمستقبل المنطقة.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.