العقوبات الأوروبية على روسيا: سلاح يرتد على صاحبه

تواصل بروكسل فرض حزم متتالية من العقوبات على روسيا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، في محاولة لإضعاف اقتصادها وشلّ قدرتها على تمويل المجهود العسكري. لكن بعد سنوات من التصعيد، بات واضحًا أن هذه الأدوات لم تغيّر سلوك موسكو، بل خلقت نتائج عكسية انعكست على أوروبا نفسها بقدر ما أصابت روسيا.

العقوبات كأداة ضغط سياسي

تقوم العقوبات الأوروبية على ثلاث ركائز رئيسية:

  1. الخنق المالي: عزل البنوك الروسية وقطعها عن نظام "سويفت".
  2. تقييد الصادرات: منع وصول التكنولوجيا والآلات المتقدمة التي تدعم الصناعات العسكرية.
  3. ضرب الطاقة: تقليص الاعتماد على النفط والغاز الروسي، مع استهداف الغاز الطبيعي المسال مؤخرًا.

هذه الإجراءات يُفترض أنها تهدف إلى إضعاف قدرة موسكو على تمويل الحرب ودفعها إلى التراجع.

قدرة روسيا على التكيّف

لكن الواقع أثبت أن روسيا نجحت في تجاوز جزء كبير من هذه القيود:

  • التحوّل شرقًا: نقلت تجارتها النفطية والغازية نحو الصين والهند وتركيا بأسعار تفضيلية، ما عوّض خسائر السوق الأوروبية.
  • التصنيع المحلي: رغم صعوبات البداية، بدأت روسيا بتطوير بدائل محلية للتكنولوجيا الغربية، ولو بجودة أقل.
  • أنظمة دفع بديلة: تعزيز استخدام الروبل، واليوان، وأنظمة مالية خارج سيطرة الدولار واليورو.

النتيجة: العقوبات أبطأت الاقتصاد الروسي، لكنها لم تكسره.

الارتداد على أوروبا نفسها

المفارقة أن أوروبا دفعت ثمنًا باهظًا بدورها:

  • أزمة طاقة: الاضطرار إلى استيراد الغاز الأمريكي والقطري بأسعار أعلى، ما رفع كلفة المعيشة والصناعة.
  • تباطؤ صناعي: تضررت الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية الألمانية والفرنسية، وفقدت تنافسيتها عالميًا.
  • أعباء سياسية: تزايد السخط الشعبي على الحكومات بسبب ارتفاع الأسعار، ما غذّى التيارات اليمينية والشعبوية.

وهكذا تحولت أداة العقوبات إلى سيف ذي حدّين يضغط على موسكو، لكنه ينهك أوروبا أيضًا.

الأثر الاستراتيجي بعيد المدى

  • فك الارتباط مع الغرب: العقوبات سرّعت خروج روسيا من المنظومة الغربية وربطها اقتصاديًا بآسيا.
  • تشكل نظام بديل: ظهور مسارات تجارية ومالية جديدة (بريكس، اليوان، الروبل) يضعف هيمنة الدولار.
  • شرعية داخلية لروسيا: موسكو تستخدم العقوبات لتغذية خطاب "الحصار الغربي"، ما يعزز التماسك الداخلي بدل تفكيكه.

سلاح بلا جدوى حقيقية

بعد سنوات من التصعيد، يمكن القول إن العقوبات الأوروبية لم تحقق هدفها الاستراتيجي: لم تُنهِ الحرب، ولم تُسقط الاقتصاد الروسي، بل أضعفت أوروبا نفسها وزادت من اعتمادها على الحماية الأمريكية. وهكذا تتحول العقوبات إلى أداة رمزية أكثر من كونها أداة فعالة، تعكس عجز الغرب عن فرض رؤيته بالقوة الناعمة، واضطراره الدائم للاعتماد على واشنطن عسكريًا واقتصاديًا.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.