لماذا يُهزم الجندي الإسرائيلي في المواجهة القريبة؟


صراع العقيدة والإرادة

تُظهر معارك غزة الممتدة منذ عامين مشهدًا ثابتًا: كلما اضطر الجنود الإسرائيليون للاشتباك المباشر مع المقاومين، كانت النتيجة إمّا انسحابًا مذعورًا أو خسائر فادحة. هذا التكرار يطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا يفشل الجيش الذي يمتلك أحدث الأسلحة وأقوى وسائل الاستطلاع عندما يواجه مقاتلًا يحمل سلاحًا فرديًا في زقاق ضيق؟

عقيدة النار عن بُعد

الجيش الإسرائيلي بُني على التفوق التكنولوجي والقصف الكثيف: طائرات، مدفعية، دبابات. هذه الأدوات تفرض هيمنة في الحقول المكشوفة والحدود المفتوحة، لكنها تفقد فعاليتها في الأزقة المظلمة أو الممرات تحت الأرض. في هذه اللحظة، يتحول الجندي من "مستفيد من آلة ضخمة" إلى فرد عارٍ يواجه مقاومًا يتقن تفاصيل الأرض.

الفجوة النفسية بين "مقاتل" و"موظف"

المقاوم يقاتل بروح وجودية: إما النصر أو الاستشهاد. أما الجندي الإسرائيلي فيُدفع إلى المعركة كجزء من وظيفة عسكرية، هدفه الأساسي أن يعود حيًا. هذه الفجوة الوجودية تجعل الأول يندفع بشجاعة، بينما الثاني يتردد ويتراجع عند أول صدمة. حين ينهار التوازن النفسي، تُحسم المواجهة حتى قبل أن تُطلق الرصاصة.

تفوق الأرض والمعرفة المحلية

المقاوم يتحرك في بيئة يعرفها كما يعرف جسده: ممرات، أنفاق، أسطح، ومخارج طوارئ. أما الجندي فيدخل أرضًا مجهولة، كل زاوية فيها قد تُخفي فوهة بندقية أو عبوة ناسفة. هذه المفارقة تجعل المواجهة المباشرة أشبه بامتحان غير متكافئ: المقاتل يعرف أين يضرب، والجندي لا يعرف حتى من أين يتلقى الضربة.

عقدة الخوف المتراكم

منذ الانتفاضات الأولى مرورًا بحروب غزة، تجمّعت في وعي الجندي الإسرائيلي صورة راسخة: "المواجهة القريبة = موت محتوم". تراكم الخبرة السلبية عبر الأجيال العسكرية جعل الخوف عنصرًا بنيويًا. لم تعد المسألة مجرد تدريب، بل عقدة نفسية متوارثة تصنع سلوكًا تلقائيًا: التردد، ثم الانسحاب.

الانسحاب كخيار مؤسسي

الجيش الإسرائيلي يتعامل مع خسائره البشرية بحساسية مفرطة، لأن صورة "الجندي العائد حيًا" هي أساس العقد الاجتماعي مع المجتمع. لذلك حين تتفجر مواجهة مباشرة غير محسوبة، يتلقّى الجنود أمرًا بالانسحاب السريع لا بالمطاردة، فينعكس الأمر على صورة الهروب المتكرر. المقاومة تستغل هذه العقيدة لتُحوِّل كل مواجهة قصيرة إلى درس سياسي وعسكري لإسرائيل.

الخلاصة: صراع الإرادة قبل السلاح

تفوق الجندي الإسرائيلي التكنولوجي لا يترجم إلى قوة فعلية في المواجهة القريبة، لأن العامل الحاسم ليس السلاح بل الإرادة. المقاومة تملك عقيدة قتال وجودية، بينما الجندي الإسرائيلي يعتمد على الآلة ويُربك عند فقدانها. لذلك تظل كل مواجهة مباشرة مختصرة لجوهر الصراع: إرادة تعيش بالمقاومة، وجيشٌ يحيا بالخوف من الخسائر.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.