
الخطر الحقيقي الذي لا يمكن إنكاره
تغيّر المناخ لم يعد ترفًا فكريًا أو قضية نخبوية، بل واقع يضرب الاقتصادات: فيضانات تعصف بمدن أوروبية، أعاصير تدمّر سواحل أمريكا، وحرائق تأتي على غابات كندا وأستراليا. هذه الكوارث وحدها كفيلة بدفع أي حكومة إلى التفكير بمستقبل الطاقة والبنية التحتية. من هنا ينبع جزء صادق من الاهتمام البيئي: الحفاظ على أساسات الاقتصاد وحياة المواطنين.
البيئة كأداة للدعاية الداخلية
غير أن الحكومات وجدت في البيئة منصة دعائية مثالية. فهي تُظهر نفسها كحامية للمستقبل، حتى إن كانت السياسات الفعلية تعزز الاستهلاك المفرط أو توسّع الاعتماد على الوقود الأحفوري. صور المسؤولين إلى جانب ألواح الطاقة الشمسية أو أثناء قيادة سيارات كهربائية تُستثمر لخلق هالة سياسية أكثر من كونها خطوات جوهرية.
الهيمنة عبر "أخلاقيات المناخ"
في الساحة الدولية، تحوّلت البيئة إلى أداة ضغط ناعمة:
- الاتحاد الأوروبي يفرض "ضريبة الكربون" على صادرات الدول النامية، تحت شعار حماية البيئة، لكنها عمليًا أداة حمائية اقتصادية.
- الشركات الغربية تحتكر تكنولوجيا الطاقة النظيفة وتبيعها بشروط تثبيت التبعية.
- دول كبرى تستمر في التوسع في النفط والفحم، لكنها تفرض على غيرها قيودًا بيئية صارمة.
السوق الخضراء كواجهة اقتصادية
التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر يُسوَّق على أنه إنقاذ للبشرية، لكنه في جوهره إعادة تشكيل للأسواق العالمية. شركات النفط العملاقة تدخل سباق "الطاقة المتجددة" للحفاظ على احتكارها، بينما شركات التكنولوجيا تدفع الحكومات لدعم مشاريع كهربائية باهظة الثمن تحت لافتة "المستقبل المستدام". النتيجة: بيئة تتحسّن ببطء شديد، وأسواق تُعاد هندستها وفق ميزان القوى لا وفق الضرورات البيئية.
البيئة: بين الخوف الحقيقي والاستغلال السياسي
الحقيقة أن الخطر البيئي قائم وملموس، لكن توظيفه السياسي يطغى على الخطاب. لم تعد البيئة مجرد قضية علمية، بل غدت ورقة نفوذ جيوسياسية، ومعيارًا لتوزيع الشرعية والهيمنة الاقتصادية. وبين هذا وذاك، يبقى الكوكب الخاسر الأكبر: إذ تتحول البيئة إلى شعار تنافسي بدل أن تكون هدفًا إنقاذيًا.