
المنافسة الداخلية: ساحة تدريب وصراع محسوب
الشركات الصينية لا تتنافس عبثًا، بل تخوض معارك مستمرة تحافظ على ديناميكيتها، وتمنع أي طرف من الاسترخاء أو الاحتكار. هذه البيئة الصلبة تجعلها دائمًا في حالة ابتكار وتطوير سريع، بينما الشركات الغربية أو الآسيوية الأخرى تواجه صعوبة في مجاراة هذا الإيقاع. المنافسة الداخلية هنا ليست هدرًا، بل آلية لصناعة القوة.
الإغراق الاقتصادي: الجودة الكافية والسعر المستحيل
حين تتنافس الشركات الصينية، يكون الحل السحري هو خفض السعر مع الحفاظ على مستوى مقبول من الجودة. النتيجة: سوق عالمي مغمور بمنتجات متقاربة، رخيصة، وفعّالة. وهكذا يجد المنافس الأجنبي نفسه أمام معادلة شبه مستحيلة: إما أن يخفض أسعاره فيخسر أرباحه، أو ينسحب تاركًا الساحة للسلع الصينية. إنها سياسة "الإغراق المدروس" التي لا تعلن كاستراتيجية رسمية، لكنها تعمل كأمر واقع.
السوق كسلاح جيوسياسي
الصين تدرك أن السيطرة على السوق ليست مجرد مكسب اقتصادي، بل نفوذ سياسي. فمن يمتلك القدرة على تزويد العالم بالإلكترونيات، والاتصالات، والسيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة، يمتلك أوراق ضغط في السياسة الدولية. والمفارقة أن المنافسة الداخلية بين شركاتها تسهم في تعزيز هذه السيطرة بدل أن تضعفها، لتصبح السوق نفسها أداة من أدوات الجبر السياسي العالمي.
الدول المستهلكة: بين الربح السريع والخسارة البعيدة
الدول الأخرى قد تفرح بأسعار المنتجات الصينية الرخيصة، وتعتبرها فرصة لتقليل تكاليف الاستهلاك. لكن على المدى الطويل، تفقد صناعاتها الوطنية القدرة على المنافسة، وتدخل في دائرة تبعية اقتصادية. فكلما زاد اعتمادها على المنتجات الصينية، تآكلت قدرتها الإنتاجية، حتى تجد نفسها بلا خيار سوى الاستيراد المستمر. وهكذا تتحول "المنفعة" القصيرة المدى إلى خسارة استراتيجية بعيدة المدى.
الخلاصة: ذكاء صيني في صورة تنافس
بينما يبدو للعالم أن الشركات الصينية تتصارع فيما بينها، فإن النتيجة العملية هي توحيد الجبهة ضد الآخرين. التنافس الداخلي يغذي القوة الخارجية، ويحول السوق العالمية إلى ساحة تتراجع فيها الشركات الأجنبية خطوة بعد خطوة. هنا يتجلى الذكاء الصيني: صراع داخلي منظم يقصي المنافس الخارجي، ويحوّل "السوق" إلى أداة نفوذ عالمي.