المكاسب الأمريكية: حماية مؤقتة وتوزيع أرباح تجارية
استفادت الشركات الأمريكية من غياب هواوي عن أسواقها الحيوية. أبل عززت هيمنتها في سوق الهواتف الفاخرة، مستفيدة من غياب أجهزة هواوي بخدمات Google. كوالكوم بقيت المورد الأكبر لمعالجات لشركات صينية بديلة مثل شاومي وأوبو، ما عوّض بعض خسارتها. أما على مستوى البنية التحتية، فقد ضمنت واشنطن أن شبكات 5G في الغرب ستُبنى عبر لاعبين موثوقين سياسيًا مثل نوكيا وإريكسون وسيسكو، بعيدًا عن نفوذ بكين.
الخسائر الأمريكية: ولادة الصين التكنولوجية
لكن الوجه الآخر للحظر كان أخطر. إذ أجبرت واشنطن بكين على تسريع برامج الاكتفاء الذاتي في الرقائق والبرمجيات. ما كان يمكن أن يتأخر لعقد كامل، تحقق في سنوات معدودة: توسّع استثمارات الصين في صناعة أشباه الموصلات، إطلاق نظام HarmonyOS وتطوير منصات بديلة عن Google، وتوسيع منظومة البحث والبراءات داخل الصين. بهذا، تحوّل الحظر من أداة ردع إلى محفّز ولادة مشروع صناعي صيني مستقل، يهدد في المدى الطويل مركزية الولايات المتحدة في التكنولوجيا.
أوروبا: كلفة التحالف مع واشنطن
أُجبرت الدول الأوروبية على استبدال معدات هواوي في شبكاتها، فدفعت المليارات من ميزانياتها لتأمين التوافق مع الخط الأميركي. صحيح أن نوكيا وإريكسون استفادتا بعقود جديدة، لكن النتيجة كانت تأخيرًا في الانتقال الكامل إلى 5G وارتفاع كلفة البنية التحتية. هذا يعني أن أوروبا دفعت ثمنًا اقتصاديًا باهظًا مقابل الانصياع لسياسات واشنطن، وهو ما يكشف هشاشة "السيادة الرقمية" الأوروبية أمام وصاية الحليف الأمريكي.
كوريا الجنوبية: الحليف الذي تراجع
سامسونج، الحليف الصناعي الأبرز للغرب في مجال الهواتف، لم تستفد فعليًا من تراجع هواوي. على العكس، ملأت شركات صينية مثل شاومي وأوبو الفراغ في أسواق متعددة، بينما خسرت سامسونج بشكل خاص السوق الصيني الضخم الذي لم تعد قادرة على اختراقه. هكذا، أدى الحظر الذي استهدف الصين إلى إضعاف لاعب آسيوي يُفترض أنّه جزء من المعسكر الغربي، ما يعكس تناقضات السياسة الأمريكية قصيرة النظر.
المعادلة النهائية: نصر قصير، حرب طويلة
الولايات المتحدة ربحت معركة تكتيكية ضد هواوي، لكنها أطلقت حربًا صناعية طويلة الأمد. فهي اليوم تواجه صعود منظومة صينية أكثر مرونة، وحلفاء مثقلين بالتكاليف، وحليف كوري ضعفت حصته السوقية. بعبارة أخرى: واشنطن كسبت الأمان المؤقت لشبكاتها، لكنها ساهمت من حيث لا تدري في تسريع مشروع تكنولوجي منافس قد ينتزع منها الهيمنة على المدى الاستراتيجي.
