
انهيار النظام الدولي بعد الحرب الباردة
النظام الذي نشأ بعد الحرب الباردة بُني على وهم "القطب الواحد". الولايات المتحدة تصرفت بوصفها القوة المهيمنة، لكن مع صعود الصين وعودة روسيا، بدأت قواعد اللعبة تتفكك. لم يعد هناك توازن رادع واضح، بل صراع متعدد الأطراف يتوزع على ساحات مختلفة، من أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي.
مؤشرات تقترب من عتبة الانفجار
- سباق التسلح النووي والصاروخي: روسيا تطور أسلحة فرط صوتية، وكوريا الشمالية تعلن عن صواريخ عابرة، والولايات المتحدة تعزز قدراتها النووية في أوروبا.
- تفكك المعاهدات: انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ المتوسطة، وإهمال معاهدات الحد من التسلح، يعني أن قواعد الضبط السابقة لم تعد موجودة.
- الحروب بالوكالة: أوكرانيا ساحة مواجهة بين الغرب وروسيا، اليمن وغزة والعراق مسارح صراع غير مباشر بين إيران والغرب، وأفريقيا ميدان تنافس صيني ـ أمريكي صامت.
- الأزمات الاقتصادية: الحروب التجارية والعقوبات سلاح يُستخدم بفعالية تضاهي القنابل، لكنه قد يقود إلى انهيارات اقتصادية تُفجر اضطرابات داخلية.
لماذا لا يريد الغرب حربًا عالمية مباشرة؟
رغم هذه المؤشرات، القوى الكبرى تدرك أن مواجهة مباشرة قد تعني الانتحار الجماعي. السلاح النووي جعل "الحرب الشاملة" غير قابلة للإدارة. لذلك اختارت القوى الكبرى مسار الصراع تحت العتبة:
- حروب محدودة لا تتطور إلى مواجهة مفتوحة.
- ضغوط اقتصادية واستنزاف طويل الأمد.
- استخدام الإعلام والسيبرانية بديلًا عن المدافع.
هذا ما يفسر إصرار واشنطن على إدارة حرب أوكرانيا من بعيد دون مواجهة مباشرة مع موسكو، أو حذر الصين في تجنب مواجهة بحرية مباشرة مع أمريكا.
الشرق الأوسط كمرآة للصراع
المنطقة العربية باتت الساحة الأكثر وضوحًا لقياس احتمالية الانفجار العالمي. حرب غزة ليست محلية، بل مرتبطة بمواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل، بين واشنطن ومحور المقاومة. أي خطأ في الحسابات هنا قد يشعل مواجهة إقليمية تتحول بسرعة إلى حرب أوسع.
الفرق بين "الحرب العالمية" و"الحرب المفككة"
المفهوم الكلاسيكي للحرب العالمية يقوم على مواجهة مفتوحة بين معسكرين واضحين، كما حدث في 1914 و1939.
أما اليوم، فنحن أمام شكل مختلف: حرب مفككة موزعة على عدة جبهات، لكنها مترابطة استراتيجيًا. إذا اتصلت هذه الجبهات في لحظة ما، يمكن أن نرى انفجارًا يعادل حربًا عالمية، حتى إن لم يُعلن عنها رسميًا.
الخلاصة
العالم لا يقف على أبواب "حرب عالمية ثالثة" بالمعنى التقليدي، بل على عتبة تفكك شامل للنظام الدولي. هذا التفكك قد يبقى في شكل صراعات إقليمية متفرقة، أو قد ينفجر فجأة إلى مواجهة شاملة إذا أخطأت قوة كبرى في الحساب.
بعبارة أخرى: نحن نعيش الحرب العالمية بالفعل، لكنها ليست حربًا معلنة، بل حربًا موزعة وصامتة، تقضم النظام الدولي من الداخل يومًا بعد يوم.