
إرث الاستعمار: استقلال سياسي بلا سيادة حقيقية
التحرر من الاحتلال العسكري في القرن التاسع عشر لم يعنِ التحرر من آليات السيطرة. القوى الاستعمارية القديمة تركت وراءها نخبًا محلية مرتبطة بمصالح الغرب، حافظت على نفس البنية الاقتصادية: تصدير المواد الخام واستيراد التكنولوجيا. هذا جعل الاستقلال شكليًا، فيما استمرت التبعية بأشكال جديدة.
الهيمنة الأمريكية: الوصاية المقنّعة
منذ "مبدأ مونرو" (1823)، اعتبرت واشنطن أمريكا الجنوبية ساحتها الخلفية. دعمت انقلابات عسكرية، موّلت حروبًا أهلية، ورعت أنظمة ديكتاتورية موالية. حتى اليوم، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يمارسان دور "الحاكم غير المرئي"، فارضين سياسات تقشف تُبقي هذه الدول في حلقة الفقر والديون.
لعنة الموارد: الثروة التي تتحول إلى عبء
القارة غنية بالنفط، الليثيوم، القهوة، النحاس، والغاز. لكن هذه الثروة تحولت إلى "لعنة موارد":
- شركات متعددة الجنسيات تحتكر الاستخراج.
- الفساد المحلي يبدّد العوائد.
- الاقتصادات تبقى رهينة أسعار السوق العالمية، بدل بناء صناعة وطنية مستقلة.
التمزق الداخلي: غياب مشروع وحدوي
أمريكا الجنوبية لم تعرف مشروعًا وحدويًا حقيقيًا مثل الاتحاد الأوروبي. محاولات مثل "ميركوسور" و"ألبا" بقيت هشة أمام الضغوط الأمريكية والانقسامات الداخلية. الانقلابات المتكررة، وصعود اليمين المدعوم من الخارج، يعطل أي مسار تحرري جاد.
الدرس الغائب: من الاستقلال إلى النهضة
ما تحتاجه أمريكا الجنوبية ليس مجرد حكومات وطنية، بل مشروع حضاري متكامل:
- بناء اقتصاد قائم على الصناعة والتكنولوجيا، لا على المواد الخام.
- تحرر حقيقي من هيمنة الدولار عبر عملات إقليمية مستقلة.
- وحدة سياسية تمنع التدخل الخارجي وتفتح سوقًا ضخمة تتجاوز التبعية.
الخلاصة
أمريكا الجنوبية ما زالت أسيرة "الاستعمار الجديد": استقلال سياسي يختبئ خلفه تبعية اقتصادية وعسكرية وثقافية. التحرر الحقيقي لن يتحقق إلا حين تدرك شعوبها أن الثروة الطبيعية ليست ضمانًا للتقدم، بل الوعي السياسي والقرار السيادي هما المفتاح الوحيد للنهضة.