
البدايات: الطائرة كمنبر سياسي
في حقبة الحرب الباردة، كانت الطائرات المدنية جزءًا من لعبة القوة بين الشرق والغرب. جماعاتٌ من أمريكا اللاتينية، ومن الشرق الأوسط، ومن أوروبا الشرقية، وجدت في اختطاف الطائرات وسيلة إعلامية فعّالة. لم يكن الهدف قتل الركاب، بل الوصول إلى منبر دولي. كانت المطالب تتراوح بين إطلاق سراح أسرى سياسيين أو نشر بيان في الصحافة أو اللجوء إلى دولة معادية.
كان الخاطف في تلك الحقبة يتعامل مع الركاب كرهائن ثمينين، وليس كضحايا. فالرهينة كانت جزءًا من المسرح السياسي، ودمه لا يُراق إلا كورقة أخيرة. ومعظم تلك الحوادث كانت تنتهي بالهبوط في مطاراتٍ وسيطة، ثم مفاوضاتٍ طويلة تنتهي بتنازلاتٍ متبادلة.
مرحلة الانكسار: حين اختطف اليأس المقود
في السبعينيات تحديدًا، بدأت تظهر حالات جديدة غيّرت قواعد اللعبة. عام 1973 شهدت حادثتي أيروفلوت 109 و2420، حين فجر الخاطفون أنفسهم داخل الطائرات بعد فشل مطالبهم. كانت تلك أولى المرات التي يتحوّل فيها الاختطاف من وسيلة ضغط إلى عملية انتحارية مكتملة.
لم يكن الخاطفون يبحثون عن شهرة سياسية فقط، بل عن نهاية درامية تترك أثرًا رمزيًا. كانت تلك علامة مبكرة على تغيّر نمط التفكير: من المفاوض السياسي إلى “المنفذ المستميت”.
لاحقًا، ستتحول هذه الذهنية إلى سلوك ممنهج في حركات العنف العابر للحدود، حيث يصبح الانفجار نفسه هو الرسالة، لا ما بعده.
من التفاوض إلى الانفجار
خلال الثمانينيات، استمرّت محاولات الاختطاف بوصفها ورقة ضغط، مثل الرحلة الأمريكية TWA 847 عام 1985، حين هدد الخاطفون بتفجير الطائرة إن لم يُفرج عن أسرى لبنانيين. لكن رغم العنف والموت الذي رافق تلك العملية، ظل الهدف سياسيًا تفاوضيًا.
أما في التسعينيات، فشهد العالم تحوّلًا أخطر مع حادثة الخطوط الإثيوبية 961 عام 1996، حين أجبر الخاطفون الطيار على التحليق حتى نفاد الوقود، فسقطت الطائرة في المحيط الهندي ومات أكثر من 120 راكبًا. لم يكن التفجير هنا مباشرًا، لكنه كان نتاج عنادٍ عبثي ورفضٍ للواقع.
تلك الحادثة مثلت ذروة التحول النفسي في عقل الخاطف: لم يعد يبحث عن “توصيل رسالة”، بل عن “تحقيق مشهد نهائي”.
الطائرة كرمز للصراع الحضاري
الطائرة المدنية كانت دومًا أكثر من وسيلة نقل؛ كانت رمزًا للحداثة والعولمة وحرية الحركة. ولذلك، فإن السيطرة عليها، أو تفجيرها، يحمل معنى رمزيًا يتجاوز الخسائر البشرية. من هنا كانت الطائرات هدفًا مفضّلًا في النزاعات غير المتكافئة، إذ تمنح الضعيف فرصة لإيصال صوته في فضاءٍ لا يسمع فيه إلا القوي.
لكن التحول من “اختطاف المنبر” إلى “تدمير المنبر” يعكس انهيار الخطاب السياسي ذاته. حين تتحول الطائرة إلى قبرٍ في السماء، يصبح ذلك إعلانًا بانتهاء الحوار، وانتصار العدم على الفكرة.
ما بعد 11 سبتمبر: اختفاء الظاهرة أم تبدّل شكلها؟
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لم يعد اختطاف الطائرات ممكنًا بالشكل القديم. التشديد الأمني العالمي، وتغير وعي الشعوب، أنهيا فكرة “المساومة عبر الطائرة”. لكن الظاهرة لم تختفِ تمامًا، بل تغيّر شكلها: صار الإرهاب يستهدف الطائرة ذاتها لا للضغط، بل لتدميرها بوصفها رمزًا لنظام عالمي مكروه.
لم يعد الخاطف ينتظر ردًّا على مطالبه، بل ينفّذ فعله وهو يدرك أنه لن يسمع أحدًا بعد الانفجار. وهنا يكمن التحول العميق: من فعلٍ سياسي إلى طقسٍ عدميٍّ يائس.
الخلاصة: النهاية كرسالة
تاريخ اختطاف الطائرات هو مرآة لتطور الوعي السياسي والإنساني في القرن العشرين. من اختطافٍ بحثًا عن منصةٍ لقول الحقيقة، إلى تفجيرٍ بحثًا عن نهايةٍ تملأ الفراغ. ما تغيّر ليس فقط سلوك الخاطف، بل معنى الفعل ذاته:
في زمنٍ كانت فيه الطائرة وسيلة للوصول، أصبحت اليوم وسيلة للفناء.
جدول زمني لأبرز حوادث اختطاف الطائرات التي انتهت بالتفجير أو التحطم
| السنة | شركة الطيران | رقم الرحلة | الدولة أو الجهة الخاطفة | النتيجة |
|---|---|---|---|---|
| 1973 | أيروفلوت (الاتحاد السوفييتي) | 109 | خاطف فردي طالب باللجوء للصين | فجر نفسه، قُتل جميع الركاب (81 شخصًا) |
| 1973 | أيروفلوت | 2420 | خاطف طالب باللجوء إلى السويد | فجر نفسه وميكانيكي الطائرة |
| 1985 | TWA (الولايات المتحدة) | 847 | جماعة شيعية لبنانية | تهديد بالتفجير، انتهت بتسوية |
| 1996 | الخطوط الإثيوبية | 961 | ثلاثة خاطفين طالبوا باللجوء إلى أستراليا | نفاد الوقود وسقوط الطائرة في البحر (125 قتيلًا) |
| 1999 | الخطوط الهندية | 814 | جماعة إسلامية من كشمير | مفاوضات أفرج بعدها عن رهائن مقابل أسرى |
| 2001 | الخطوط الأمريكية والـ United | أربع طائرات مختطفة | تنظيم القاعدة | تفجير مباشر في مباني نيويورك وواشنطن (3000 قتيل) |