
التطور التدريجي للرفاهية: تجربة الإنسان كمقياس
مثل المولود الصغير الذي يُترك يتقلب ويحبو ويسقط، يتعلم وينمو، لا يُمنع بحجة عدم قدرته على المشي، يستطيع الإنسان تطوير بيئته تدريجيًا، خطوة خطوة. المدن الكبرى اليوم، بغض النظر عن عمرها، كانت في البداية مستوطنات بسيطة، نقاط استراحة للمسافرين أو قرى صغيرة. القدرة على الرفاهية الكاملة لم تكن متاحة في البداية، لكنها تحققت بفضل النشاط التدريجي للأفراد والمجتمع، والتكيف مع الموارد المتاحة.
التناقض بين الإمكانيات والسياسات
القوانين العمرانية الحديثة غالبًا تمنع الاستفادة من الأراضي الصالحة للتطوير، بحجة التخطيط المثالي أو حماية البيئة أو ضمان البنية التحتية. في المقابل، يُسمح ضمنيًا بسكن السكان في مناطق مهملة، تحت الكباري، أو حتى على المقابر، رغم أنها مناطق غير صالحة للحياة الطبيعية. هذا التناقض ليس ناتجًا عن جهل، بل عن اختيار سياسي واقتصادي واضح:
-
السيطرة: السماح للسكان بتطوير أراضيهم يمنحهم قوة اجتماعية واقتصادية، مما يقلل من قدرة الدولة على التحكم في توزيع السكان.
-
الاستغلال: بعض الأراضي العشوائية أو المهملة تحمل قيمة مستقبلية، أو يمكن استخدامها لمشاريع استثمارية، لذا يُترك السكان يعيشون في حالة ركود.
الجمود القانوني والرفض للتطور الجزئي
الدولة غالبًا تنتظر الحل الكامل والمثالي قبل السماح بالتحرك، مثل منع الطفل من الحبو لأنه لا يستطيع المشي بعد. الواقع يقول إن القدرة على الكمال غير ضرورية للبدء، وأن الحلول الجزئية ممكنة وفعالة. السماح بتطوير جزء من الأراضي، تحسين المرافق الأساسية، أو نقل مجموعات صغيرة، كفيل بتحسين حياة السكان تدريجيًا، لكنه نادرًا ما يحدث بسبب الدوافع السياسية للسيطرة.
الخلاصة: العائق هو الجبر
القدرة على التغيير موجودة، الموارد متاحة، والإمكانيات البشرية جاهزة للتكيف والبناء، لكن ما يمنع التطور هو الجبر السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هذا الجبر يفرض قيودًا صارمة على استخدام الأراضي، يمنع المبادرة الفردية، ويجعل السكان يعيشون في تكدس غير صحي، رغم توفر حلول عملية يمكن تنفيذها تدريجيًا.
في النهاية، التقدم البشري لا يحتاج إلى الكمال، بل إلى التحرك الجزئي والممارسة المستمرة. الجمود ليس نتيجة نقص الإمكانيات، بل نتيجة إرادة السيطرة، واستغلال الموارد، والجبروت السياسي، وهو ما يفسر استمرار التكدس العشوائي وسط أراضٍ متاحة للتطوير.