
من الوعي الجمعي إلى الفردانية الجديدة
لكن هذا النموذج لم يعد يملك نفس السحر مع الجيل الجديد. فمع انفتاح الأفق، وتبدّل أنماط الوعي، وسقوط كثير من المسلّمات، تغيّر معنى الضحك نفسه. لم تعد الكوميديا "رسالة جماعية" بقدر ما أصبحت تجربة فردية. صار المتلقي يرى ويختار ويقارن، ولم يعد مستعدًا ليمنح رموز الماضي قداسة دائمة. ما كان يُرى يومًا قمّة الإبداع، بات يُنظر إليه اليوم بوصفه تكرارًا محفوظًا أو انعكاسًا لمرحلة انتهت.
أزمة تكرار الذات الفنية
جزء من هذا التحول يعود إلى ظاهرة يعرفها كل فنان ناجح: حين يبلغ ذروته، يبدأ خطر التكرار. تصبح الشخصية التي ابتكرها أداة تُستهلك حتى تفقد المفاجأة. وما أن تغيب المفاجأة، تغيب روح الكوميديا ذاتها، لأنها قائمة على كسر التوقع.
وعندما يتوقف الفنان عن التجديد، يتحول من "مبدع حي" إلى "أيقونة جامدة" — جميلة في الذاكرة، لكنها لا تنتمي إلى الحاضر.
الكوميديا كمرآة للتحولات الاجتماعية
الكوميديا مرآة حادة للمجتمع، وما يتغيّر فيها ليس الضحك، بل الأسباب التي تولده.
جيل الأمس كان يضحك من المفارقات بين السلطة والفرد، من التناقض بين القيم والشكل، ومن سخافة الواقع المحيط.
أما جيل اليوم، فهو يضحك من ذاته، من سخافة عصر السرعة، ومن عبثية المعاني التي لا تستقر.
لقد انتقل الضحك من سلاح احتجاجي إلى وسيلة تحليل ذاتي — من "نضحك على العالم" إلى "نضحك لأن العالم غير مفهوم".
النوستالجيا وعبء الرموز القديمة
ما يحدث الآن ليس نفورًا من رموز الماضي، بل تحررًا من سطوتها. الأجيال الجديدة لا تكرهها، لكنها ببساطة لا تحتاجها. لم تعد تبحث عن البطل الذي يتحدث باسمها، بل عن التعبير الذاتي المباشر، عن ضحك لا يصنعه ممثل واحد بل واقع متكامل من المفارقات اليومية.
وهكذا، تفقد الكوميديا "أبويّتها" القديمة، وتستعيد حرّيتها في التعدد والتجريب.
إنها لا تموت، بل تتبدّل وظائفها مع تبدّل الوعي.
خاتمة
الضحك لم يعد فعلًا جماعيًا كما كان، بل صار مرآةً فرديةً للوعي الجديد.
في السابق كنا نضحك لأننا نشبه ما نراه، واليوم نضحك لأننا نكتشف أننا تغيّرنا عنه.
وهذه هي نهاية كل عصر فني ناجح: لا حين يبهت، بل حين يتجاوزه الزمن الذي أبدعه.