
تفصيل سياسي... لا جغرافي
عند النظر إلى حدود الأردن الشرقية والغربية، تبدو وكأنها رسمت على طاولة مفاوضات استعمارية أكثر مما هي انعكاس لأي واقع سكاني أو طوبوغرافي. الخطوط المستقيمة التي تفصل الأردن عن العراق والسعودية، على سبيل المثال، لا تراعي جبالًا ولا وديانًا، ولا حتى امتدادات قبلية عريقة. إنها خطوط اصطناعية بامتياز، تُذكرنا بمقولة ونستون تشرشل الساخرة حين قال إنه "رسم حدود الشرق الأوسط ذات صباح وهو يحتسي الشاي".
اتفاقية سايكس–بيكو: المقص الحقيقي
حين جلس الفرنسيون والبريطانيون عام 1916 لتقسيم تركة "الرجل المريض"، لم يكن في حسبانهم إقامة كيان متماسك في شرقي نهر الأردن. كل ما أرادوه هو ملء الفراغ الجغرافي بين فلسطين والعراق بطريقة تضمن استمرار السيطرة على طرق التجارة والنفط. فجاء الكيان الجديد ـ إمارة شرق الأردن ـ كـ"حل وسط" يُرضي الحلفاء العرب، وخصوصًا الشريف حسين وأبنائه، دون المساس بالمصالح الإمبريالية البريطانية.
تكوّن بلا ملامح قومية واضحة
ما يُضاعف من غرابة "الخياطة" الحدودية هو أن الأردن لم يُؤسس على أساس قومي، ولا كان له مشروع استقلالي ذاتي واضح. فقد فُرضت عليه الجغرافيا كما فُرضت عليه السياسة، وتعددت فيه المكونات السكانية (بدو، فلسطينيون، شيشان، شركس...) دون أن يُصاغ عقد اجتماعي متين يربطهم برؤية مشتركة. وهذا ما يجعل الكيان هشًا من حيث التماسك، رغم استقراره الظاهري لعقود.
الهشاشة الجغرافية كأداة تحكم
قد يظن البعض أن هذه الحدود الغريبة كانت مجرد خطأ تاريخي، لكنها في الواقع كانت مقصودة. فالدولة ذات الشكل غير الطبيعي والمساحة الضيقة بين قوى إقليمية متنافسة (فلسطين المحتلة، سوريا، العراق، السعودية) تصبح أداة مثالية للتحكم والسيطرة. فهي غير قادرة على أن تتحول لقوة مهيمنة، لكنها في ذات الوقت ضرورية كمنطقة عازلة. وهذا ما جعل الأردن رهينة دائمة للمعونات الأجنبية والتحالفات السياسية الخارجية.
وهم الدولة المستقرة
يُروّج للأردن كـ"واحة استقرار" في محيط مشتعل، لكن هذا الاستقرار الهش مشروط تمامًا بالإبقاء على تلك "الخياطة" القديمة دون تعديل. فالحدود لا تزال تحمل طابع المؤقت، وكأنها تنتظر خياطًا جديدًا ليعيد تشكيلها. وفي ظل مشاريع إعادة ترسيم المنطقة، كما تلوّح بعض القوى العالمية، يعود السؤال إلى الواجهة: هل ستظل هذه القطعة الزائدة معلقة في ثوب الشرق الأوسط أم سيُعاد تدويرها؟