أفغانستان: لماذا لم تنتصر أمريكا رغم تحالف الناتو والدعم الدولي؟

في أفغانستان لم تُهزم أمريكا عسكريًا فقط، بل هُزمت رمزيًا واستراتيجيًا أمام مشروع مقاومة محلية بدائية ظاهريًا، لكنها محصّنة بما لم تملكه الإمبراطوريات الحديثة: 
العمق الجغرافي، الصلابة الثقافية، وزخم التاريخ. 

غير أن الجانب الأكثر تجاهلًا هو أن الحرب لم تكن بين أمريكا وطالبان فقط… 
بل كانت صراعًا عالميًا بالوكالة، شاركت فيه أطراف متعددة، 
بعضها في العلن وبعضها في الخفاء.


1. أمريكا لم تكن وحدها... بل كان معها "العالم"

منذ لحظة إعلان الحرب عام 2001، حشدت أمريكا خلفها أقوى تحالف عسكري في العالم:

  • الناتو بالكامل، في أول تدخل خارج حدوده في التاريخ.
  • أكثر من 40 دولة شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر.
  • غطاء أممي شرّع الاحتلال تحت لافتة "الحرب على الإرهاب".

لكن رغم هذه القوة الدولية المتحالفة، لم تستطع أمريكا خلق واقع مستقر في أفغانستان. لماذا؟ لأن التحالف لم يكن تحالفًا قائمًا على الإيمان بالمشروع، بل على الخضوع المؤقت لهيمنة واشنطن ما بعد 11 سبتمبر، وهو خضوع بدأ يتآكل لاحقًا.


2. الصين وروسيا: خصمان يبتسمان في العلن ويطعنان في الخفاء

رغم أن الصين وروسيا لم تعارضا الحرب رسميًا، بل أيدتا بعض قرارات مجلس الأمن، إلا أنهما لم تدعما المشروع الأمريكي فعليًا، بل استغلتا الحرب لإضعاف واشنطن:

  • الصين فتحت قنوات خلفية مع طالبان، وأقامت علاقات تجارية مع باكستان، وعارضت توسع قواعد الناتو قرب حدودها. وكانت تنظر بعين الشك لا إلى "طالبان"، بل إلى "الديمقراطية الأمريكية المحمولة جوًا".
  • روسيا ورثت حساسية عميقة من تجربتها الفاشلة في أفغانستان، وأدركت أن الورطة الأمريكية تشبه فخ أفغانستان الذي أسقط الاتحاد السوفيتي، ولذلك فضّلت أن تترك واشنطن تغرق في المستنقع دون تدخل، بل دعمت ضمنيًا فكرة "المقاومة" ضد الاحتلال الأمريكي باعتبارها امتدادًا للتوازن الاستراتيجي.

هكذا تحوّلت أفغانستان إلى حلبة صراع غير معلن بين قوى كبرى، كل منها يرى أن إطالة الحرب تُضعف أمريكا أكثر مما تضرّه.


3. الفشل لم يكن عسكريًا فقط... بل وجوديًا

أمريكا جاءت بقوة مفرطة، وتكنولوجيا غير مسبوقة، لكنها كانت تحارب شعبًا لا يريد إعادة تشكيل ذاته على صورة الغرب. لهذا كانت القوة بلا جدوى. أما طالبان، فقد تحولت من تنظيم معزول إلى كيان شرعي في عيون كثيرين، فقط لأنها قاومت المحتل العالمي الذي "جاء ومعه كل العالم".


4. أفغانستان... مرآة لكذب المشروع الليبرالي العالمي

جاءت أمريكا إلى أفغانستان لتُصدّر نموذج "الحرية والديمقراطية" فأنتجت:

  • حكومة فاسدة مدعومة بالمال والسلاح.
  • اقتصادًا وهميًا قائمًا على المخدرات والمساعدات.
  • دولة لا تسيطر حتى على العاصمة.
  • مجتمعًا ممزقًا بين العملاء والمقاتلين.

وبينما كانت تُنفق مليارات على إعلام "تمكين المرأة" و"حقوق الإنسان"، كانت تقصف الأعراس، والمدارس، والمستشفيات، وتدير سجونًا سرية مثل باغرام تحوّلت إلى رموز للتعذيب.


5. النهاية: الانسحاب كخاتمة رمزية لإفلاس المشروع

الانسحاب من أفغانستان لم يكن قرارًا، بل اعترافًا تاريخيًا بالفشل. وهو ما عبّرت عنه كل الصور:

  • جنود يفرون من فوق أسطح السفارات.
  • عملاء أفغان يتشبثون بعجلات الطائرات.
  • وطالبان تدخل كابل دون إطلاق رصاصة واحدة.

هكذا انتهى أكبر تحالف دولي بعد عقدين، على يد حركة لا تملك طائرات ولا دبابات… لكنها تملك الزمن، والعقيدة، والإرادة.


ماذا جنت أمريكا من كل هذا؟

  • خسرت 2.3 تريليون دولار بلا مقابل حقيقي.
  • فقدت صورتها كقوة لا تُهزم.
  • زُعزعت ثقة الحلفاء في مظلتها الأمنية.
  • تعززت مكانة الصين وروسيا كبدائل عالمية.
  • وانتصر خطاب المقاومة في العالم الإسلامي، ولو معنويًا.


خلاصة سياسية

الحرب على أفغانستان كانت أكثر من مجرد حرب. كانت اختبارًا لـ"مشروع العولمة الليبرالية المسلحة"، ففشل هذا المشروع ليس فقط بسبب صلابة طالبان، بل بسبب سقوط خطاب السيطرة الناعمة حين تلبّس بالعنف الصلب. لقد خاضت أمريكا الحرب نيابة عن نظام عالمي مأزوم، فتلقّت الصفعة بالنيابة عنه.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.