التفقير الممنهج: المالديف: حين تُباع الجزر قطعة قطعة باسم الاستثمار

حين يُروّج للفقر على أنه اختيار، وللاحتلال الاقتصادي على أنه استثمار، نكون أمام نموذج متقن من "التفقير الناعم": حيث لا مدافعون ولا مقاومون، بل شعب يُخدّر بأوهام الرفاه. هكذا تسير المالديف نحو مصير تُرسم ملامحه خلف الكواليس، وسط ضحكات السياح، وصفاء البحر، وصمت الإعلام.
فبين جزرها المتناثرة، يُعاد تشكيل معنى "الدولة"، لا ككيان سيادي، بل كشركة خدمات تدير ما تبقى من وطنٍ أُعيد تعريفه كمنتجع. والسيادة هنا لا تُنتزع بالقوة، بل تُشترى، على هيئة عقود تأجير، واتفاقيات استثمار، وصفقات خصخصة.

إنها استعمار بلون استوائي، لا يرفع راية، بل يرفع أسعار الغرف الفندقية، ويخفض سقف الكرامة الوطنية بهدوء.

"التفقير الناعم – بيع السيادة على هيئة رفاه":

تُسوّق المالديف عالميًا كجنة سياحية: مياه فيروزية، جزر شاعرية، ومنتجعات فاخرة. لكن خلف هذا الهدوء الاستوائي، يجري تفكيك السيادة المالديفية بهدوء، تحت غطاء الاستثمار والرفاه السياحي. فالبلد الصغير، ذو المساحة المحدودة والموارد القليلة، وجد نفسه يبيع ما يملك: الأرض، البحر، والاستقلال.


الجزر ليست للسكان... بل للضيوف الأثرياء

من بين أكثر من 1100 جزيرة، لا يُسمح للمالديفيين سوى بالسكن في العشرات منها. أما البقية، فهي إما مملوكة أو مؤجَّرة لشركات أجنبية، لعقود قد تصل إلى 99 سنة، تحت ما يسمى "الاستثمار السياحي".
وهكذا، تُسلّم السيادة على الجزر، والشواطئ، والمرافئ، لشركات لا تدين بأي ولاء للشعب أو الدولة.


اقتصاد أحادي هش... تحت رحمة السياحة

تشكل السياحة أكثر من 70٪ من عائدات الدولة، ما يعني أن أي تقلب عالمي — جائحة، أزمة اقتصادية، صراع إقليمي — كفيل بإسقاط الاقتصاد المالديفي برمّته.
وما يُبنى من منتجعات فاخرة لا يُترجم إلى بنى تحتية عامة، ولا يتحول إلى مشاريع إنتاج محلي، بل يرسّخ التبعية لمزاج السوق الأجنبي.


الخصخصة الهادئة... من البحر إلى المطار

ليست الجزر فقط ما يُباع، بل حتى المطارات والمرافئ وقطاعات الاتصالات. شركات من الإمارات، الصين، الهند، وغيرها، تتناوب على شراء أو تشغيل البنى التحتية، ضمن صفقات معتمة لا يُستشار فيها الشعب.
وهكذا، تتحول الدولة إلى هيكل إداري لشركات، لا لحماية مواطنيها.


تلاعب في السياسة... بأدوات الاستثمار

في السنوات الأخيرة، تحوّل الملف الاستثماري إلى أداة في النزاع السياسي الداخلي. تحالفات مع الهند أو الصين لم تعد مجرد سياسات خارجية، بل مسارات تحدد مصير الجزر، وحدود السيادة.
والنتيجة: قرار الدولة أصبح مرتهنًا بوعود التمويل، لا بإرادة ناخبيها.


رفاهية مغشوشة... فوق هشيم وطني

قد تبدو المالديف "أنظف" من الدول التي تعاني الحروب أو الفقر الصريح، لكن الحقيقة أن الرفاه هنا تمويهٌ على بيع هادئ للسيادة.
فما قيمة الجمال الطبيعي إذا لم يعد ملكًا للأمة، بل مؤجَّرًا بأوراق رسمية لمستثمرين؟ وما معنى الدولة إن لم تعد تتحكم بجزرها ولا بقراراتها الاستراتيجية؟

سلسلة: الفقر والتفقير الممنهج

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.