
لكن، هل تكفي الثياب لتعريف الإنسان؟ هل تنقذنا الألفاظ من سؤال "من نحن؟" حين نكون بلا مشروع، بلا قيم، بلا عمق حضاري حقيقي؟
هذا المقال يتأمل نقديًا في كيف تم اختزال الهوية إلى رموز سطحية، تُستعرض في المهرجانات، وتُرفع في المناسبات، بينما يغيب المعنى الحقيقي للانتماء.
حين تصبح الهوية عرضًا فولكلوريًا
كثير من الدول تصنع مهرجانات "تراثية" ضخمة تستعرض فيها اللباس الشعبي، الرقصات، والأكلات التقليدية، وتظن أنها بذلك تحمي "الهوية".
لكن الهوية ليست عرض أزياء، بل منظومة قيم ورؤية للوجود.
حين تفرغ الشعوب من مشروع نهضوي، تتمسّك بالقشور. ويصبح الدفاع عن الزيّ مسألة مصيرية، بينما تمرّ قوانين تقتل التعليم وتفسد العدالة دون أن يهتزّ أحد.
اللغة كقيد لا كجسر
اللغة جزء من الهوية، نعم. لكنها ليست كلّها. فاللغة التي لا تحمل فكرًا، تتحول إلى أداة صراخ.
نُعلي من شأن العربية، ثم ننتج بها خطابات كراهية وخطب سطحية. نتمسك بها كرمز، بينما نترجم بها مفاهيم مستوردة دون نقد.
الهُوية الحقيقية لا تتمثل في "اللغة التي نتحدث بها"، بل في "الفكر الذي نحمله بها".
الهوية كقالب جامد يرفض التنوّع
حين تُختزل الهوية في قوالب قومية جامدة، تُقصى فئات كثيرة من المجتمع. يُقال لهذا: أنت لست منّا لأنك لا تلبس مثلنا. ولذاك: أنت غريب لأن لهجتك مختلفة.
فتتحول الهوية إلى قيد اجتماعي لا مساحة فيه للاجتهاد أو التنوع.
هكذا يُنتَج مجتمع يطارد الشبه، ويخاف الاختلاف، فيخسر روحه، ويدفن طاقاته.
اغتراب الذات في مرآة الزينة
الشعوب المهزومة تبحث عن وجهها في المرآة، فترتدي أثواب الأجداد لتتذكّر أنها كانت عظيمة. لكنها لا تسأل: ماذا نفعل اليوم؟ ما رؤيتنا للغد؟
الزيّ لا يعوّض غياب الوعي، واللغة لا تكفي لصناعة أمة، والرموز لا تُنقذنا من الاندثار إن لم يكن وراءها مشروع.
خاتمة: الهوية ليست قناعًا.. بل سؤال وجود
الهوية ليست ما نرتديه، بل ما ندافع عنه. ليست ما نكرره، بل ما نؤمن به.
وحين تختزل الهوية في الشكل دون الجوهر، نعيش اغترابًا مزدوجًا: نبدو كأننا نحن، لكننا بلا روح.
إن أعظم وفاء للهوية هو أن نُعيد صياغتها من الداخل، لا أن نعلّقها على الجدران.