
إن الحديث عن "أبطال الهنواد المنسيين" ليس مجرد استذكار لرموز محلية أو زعماء قبليين، بل هو كشف لطبقات السرد التاريخي التي طُمست بفعل السياسة، والطائفية، و"التاريخ المختار" الذي تكتبه القوى المهيمنة. فالمقاومة في الهند لم تكن حكرًا على تيار واحد، بل اشتركت فيها أعراق وأديان، مسلمين وهندوس وسيخ، لكن كثيرًا من القادة المسلمين نالهم التجاهل أو التشويه، في ظل سردية قومية هندوسية معاصرة تعيد تشكيل الماضي على مقاس الحاضر السياسي.
ولأن البطولة لا تموت بموت أصحابها، بل تُقتل حين يُنسى اسمهم، آن أوان أن نعيد فتح دفاتر المنسيين، ونستخرج من تحت غبار النسيان أسماء من رسموا بدمائهم وجهًا آخر للهند، وجهًا قاوم لا استسلم، وواجه لا ساوم.
فيما يلي بعض من هؤلاء الأبطال، ممن حُجبت أسماؤهم عمدًا عن المشهد العام أو أُدرجوا على استحياء:
أبرز أبطال الهنواد المنسيين
- تيبو سلطان (Tipu Sultan) حاكم ميسور، قاوم الاستعمار البريطاني بشراسة، وابتكر تقنيات عسكرية متقدمة في زمانه، وكان من أوائل من استخدم الصواريخ في المعارك. توفي في معركة ضد البريطانيين عام 1799.
- بهادر شاه ظفر (Bahadur Shah Zafar) آخر أباطرة المغول، ورمز المقاومة في ثورة 1857، تم نفيه إلى بورما بعد فشل الثورة، وحرص البريطانيون على محو أي ذكر لإرثه السياسي والثقافي.
- مولووي أحمد الله شاه (Maulavi Ahmadullah Shah) أحد القادة البارزين في ثورة 1857، أبدى كفاءة عسكرية في ولاية أوده (Awadh)، وكان له دور كبير في توحيد الثوار من مختلف الأديان.
- بختيار الخلجي (Bakhtiyar Khilji) رغم الجدل حوله، إلا أن تاريخه كمجاهد مسلم في شرق الهند أُخضع للتشويه في الأدبيات الحديثة التي تصوّره كمعتدٍ لا فاتح.
- قاضي محمد فضل الحق خَيْر آبادي (Qazi Fazl-e-Haq Khairabadi) مفكر ومجاهد، شارك في ثورة 1857 وأصدر فتوى الجهاد ضد البريطانيين، سُجن في جزر أندامان وتوفي هناك.
- رؤساء قبائل الباتان المسلمين في الشمال الغربي مثل خان عبد الغفار خان، الذي كان يلقب بـ"غاندي الحدود"، قاوم الاحتلال البريطاني بالنضال اللاعنفي، رغم تجاهله في كتب التاريخ الرسمي.
- أشرف علي التهانوي (Ashraf Ali Thanwi) لم يكن مقاتلًا بالسلاح، بل بالفكر والتربية، وكان من أعمدة الإصلاح الديني والتنوير العلمي في ظل الاحتلال، لكنه كثيرًا ما يُغيب لصالح رموز غير إسلامية.
- ألاو الدين خلجي (Alauddin Khilji) حاكم من حكام سلطنة دلهي، تصدى لغزوات المغول أكثر من مرة، لكن تم تصويره كطاغية في الأفلام والروايات الحديثة ضمن خطاب هندوسي قومي.
- سيد أحمد الشهيد (Syed Ahmad Shaheed Barelvi) أحد المجاهدين الذين رفعوا راية الجهاد ضد السيخ والبريطانيين، وكان يدعو لإصلاح ديني شامل ضمن مقاومته، لكنه كثيرًا ما يُصوّر كمتطرف.
- مولانا عبيد الله السندي (Ubaidullah Sindhi) من أبرز رجال الفكر والمقاومة في الهند الإسلامية، سُجن ونُفي مرارًا، وله دور كبير في الحراك الفكري المناهض للاستعمار، لكنه غير معروف خارج الأوساط العلمية.
هذه الأسماء ليست مجرد سطور في كتاب، بل مفاتيح لفهم الصراع على الذاكرة التاريخية. إن إقصاءهم من المشهد العام ليس مجرد نسيان عابر، بل جزء من عملية أيديولوجية متعمدة لإعادة رسم صورة "المنقذ" و"الوطني" بما يخدم سرديات سياسية حالية.
فالهند اليوم تُعاد صياغتها كـ"هندوسية نقية"، والذاكرة الجمعية تُطهّر من كل ما لا ينسجم مع هذه الصورة، حتى لو كان هذا الماضي ثريًا بالمقاومين الذين أذاقوا الاستعمار البريطاني مرارة الهزائم.
ولا بد هنا من التأكيد أن معركة الذاكرة لا تقل خطرًا عن معركة التحرير، فالأمة التي تُنسى بطولاتها، تُسرق مرتين: مرة حين تُستعبد، ومرة حين يُقال لها إن أبطالها لم يكونوا أبطالًا أصلًا.