
قبل أن تُختصر ذاكرة المسلمين في الهند في صورة جاليةٍ مضطهدة أو ضحيةٍ لمجازر ما بعد التقسيم، كانت لهم هناك حضارةٌ شامخة، وملوكٌ عظام، ونفوذٌ امتد من كابل إلى البنغال. لم يكن وجودهم طارئًا ولا عابرًا، بل تأسّس على قرونٍ من الجهاد والبناء، من المعارك التي خيضت على حدود السند، إلى العواصم التي شيّدوها، والمدارس التي أنشأوها، والعدل الذي بسطوه.
إن الحديث عن التاريخ الإسلامي في الهند ليس استدعاءً لماضٍ غابر، بل هو تفكيك لخطابٍ معاصر يسعى لمحو هذا الوجود من الذاكرة.
إن الحديث عن التاريخ الإسلامي في الهند ليس استدعاءً لماضٍ غابر، بل هو تفكيك لخطابٍ معاصر يسعى لمحو هذا الوجود من الذاكرة.
فاليوم، تُصوَّر العصور الإسلامية في الهند كفصول احتلال أجنبي، بينما هي في حقيقتها مرحلة ازدهار سياسي وثقافي امتد لما يقرب من 800 عام (من 711م إلى 1857م)، شهدت فيها الهند دولًا إسلامية قوية تركت أثرها على بنية المجتمع والعمارة والعلم والقانون.
وقد عرفت الهند خلال هذا التاريخ قادة عسكريين حكموا وساهموا في بسط الأمن وإقامة العمران، وقاوموا الغزاة من المغول والصليبيين والبريطانيين، وهم أبطال حقيقيون لا يجب أن تُطوى أسماؤهم في زوايا التهميش.
فيما يلي أبرز الملوك والأمراء المسلمين الذين حكموا الهند أو فتحوا أجزاء منها:
أبرز الملوك والأمراء المسلمين في تاريخ الهند
- محمد بن القاسم الثقفي (695–715م) فتح بلاد السند عام 711م وهو في سن السابعة عشرة، وأسس أول ولاية إسلامية في الهند تابعة للخلافة الأموية، دامت قرابة 3 قرون متقطعة.
- قطب الدين أيبك (حكم 1206–1210م) مؤسس سلطنة دلهي، بدأ كقائد مملوكي ثم استقل بالحكم بعد وفاة السلطان الغوري، وبنى قطب منار الشهير في دلهي.
- شمس الدين التتمش (إلتتمش) (حكم 1211–1236م) أول من نال اعتراف الخلافة العباسية كسلطان مستقل للهند، واستكمل بناء الدولة المملوكية ووسعها.
- غياث الدين بلبن (حكم 1266–1287م) شدّد مركزية الدولة، وواجه التتار ببسالة، ويُعتبر من أبرز سلاطين المماليك من حيث القوة الإدارية والسياسية.
- علاء الدين الخلجي (حكم 1296–1316م) أحد أعظم سلاطين الهند، صدّ المغول 6 مرات، ومدّ نفوذ الدولة الخلجية حتى جنوب الهند، وفرض إصلاحات اقتصادية صارمة.
- محمد بن تغلق (حكم 1325–1351م) معروف بسياساته الطموحة رغم فشل بعضها، مثل نقل العاصمة من دلهي إلى دولت آباد، ومحاولة إصدار عملة نحاسية.
- فيروز شاه تغلق (حكم 1351–1388م) اهتم بالبنية التحتية، فأنشأ القنوات والطرق والمستشفيات والمدارس، وكان راعيًا للعلوم والفقه الإسلامي.
- بابر (1483–1530م) من سلالة تيمور، أسس الدولة المغولية في الهند بعد انتصاره في معركة بانيبات الأولى عام 1526م ضد الدولة اللودية.
- جلال الدين أكبر (1542–1605م، حكم 1556–1605م) حفيد بابر، وسّع الإمبراطورية المغولية، واعتمد سياسة التوسع العسكري مع تقارب طائفي أثار جدلًا دينيًا واسعًا.
- شاه جهان (1592–1666م، حكم 1628–1658م) راعي الفنون والعمارة، شيّد تاج محل تخليدًا لزوجته، وبلغت الإمبراطورية في عصره قمة الثراء.
- أورنك زيب عالمكير (1618–1707م، حكم 1658–1707م) آخر عظماء المغول، كان شديد التدين، قاد حملات لتوسيع الدولة جنوبًا، وفرض الشريعة الإسلامية في القضاء والإدارة.
- الدولة البهمانية (1347–1527م) نشأت في الجنوب بعد تفكك الدولة التغلقية، وكانت مركزًا علميًا وثقافيًا هامًا، وخاضت حروبًا مع الممالك الهندوسية.
- نظام حيدر آباد (1724–1948م) أسس الدولة بعد تفكك الإمبراطورية المغولية، وكان النظام أحد أغنى حكّام العالم، واستمرت دولته حتى ما بعد الاستقلال.
- سلاطين البنغال المسلمين (1204–1576م) حكّام مستقلون في شرق الهند (بنغلادش حاليًا)، مثل غياث الدين عظيم شاه وشمس الدين فيروز شاه، أقاموا حضارة مزدهرة ومستقلة.
لقد شكّل هؤلاء القادة العمود الفقري للحكم الإسلامي في الهند، وامتد نفوذهم لما يقرب من 8 قرون، قبل أن تسقط سلطنة دلهي نهائيًا على يد البريطانيين سنة 1857م إثر ما عُرف بثورة "سيبوي".
وهكذا، فإن التاريخ الإسلامي في الهند لم يكن هامشًا ولا استثناءً، بل مركزًا حضاريًا عالميًا، طمسته السرديات القومية المعاصرة لتبرير طمس الوجود الإسلامي في الحاضر.