
امتد الحكم الإسلامي في الأندلس من عام 92هـ / 711م (فتح طارق بن زياد) إلى 897هـ / 1492م (سقوط غرناطة)، أي قرابة ثمانية قرون، عرفت خلالها الأندلس تقلّبات بين القوة والانحدار، والوحدة والتفكك. وهذه نظرة تحليلية على المراحل الكبرى للحكم الإسلامي فيها:
أولا: مرحلة الولاية الإسلامية (92–138هـ / 711–756م)
التعريف:
بدأ الحكم الإسلامي في الأندلس بعد فتحها بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير، وكانت تابعة للدولة الأموية في دمشق، ثم العباسية بعد سقوط الأمويين في المشرق.
السمات:
- حكامها يُعيّنون من قبل الولاة في شمال إفريقيا ثم من الخليفة.
- شهدت اضطرابات بين العرب والبربر والموالي، مع تمردات متكررة.
- انتهت هذه المرحلة بوصول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وإعلان الانفصال عن العباسيين.
ثانيا: الخلافة الأموية في الأندلس (138هـ – 422هـ / 756م – 1031م)
بدأت هذه المرحلة مع عبد الرحمن الداخل الذي فرّ من المشرق بعد سقوط الدولة الأموية، وأسس إمارة أموية مستقلة في قرطبة سنة 756م.
تحولت الإمارة إلى خلافة سنة 929م في عهد عبد الرحمن الناصر، وبلغت الدولة ذروتها حضاريًا وعسكريًا.
عُرفت هذه الحقبة بالاستقرار السياسي، والنهضة العمرانية، والانفتاح الثقافي، والتفوق على الممالك النصرانية.
من أبرز شخصياتها:
- عبد الرحمن الداخل (756–788): المؤسس، أعاد أمجاد بني أمية في الغرب.
- الحكم المستنصر (961–976): راعي العلم والثقافة، شهد عصره ازدهارًا علميًا فريدًا.
- الحاجب المنصور (وزير لا خليفة): قاد الدولة عسكريًا، وانتصر مرارًا على قشتالة وليون.
نهاية المرحلة:
تفكك داخلي، ضعف شخصية الخلفاء، وصراعات داخل البيت الأموي أنهت الخلافة رسميًا سنة 1031م.
ثالثا: عصر ملوك الطوائف (422هـ – 479هـ / 1031م – 1086م)
بعد انهيار الخلافة، تقسمت الأندلس إلى دويلات مستقلة مثل:
- بنو عباد في إشبيلية
- بنو ذي النون في طليطلة
- بنو الأفطس في بطليوس
- بنو صمادح، بنو عامر، وغيرهم
دخلت هذه الكيانات في صراعات داخلية، وتحالفات مع الأعداء النصارى أحيانًا.
سمات المرحلة:
- ازدهار ثقافي نسبي، لكنه هش.
- دفع الجزية للممالك النصرانية مقابل البقاء.
- التنازل عن طليطلة سنة 1085م شكّل ضربة قاصمة.
- استنجد المعتمد بن عباد بالمرابطين من المغرب لإنقاذ الأندلس.
رابعا: حكم المرابطين والموحدين (479هـ – 636هـ / 1086م – 1238م)
1. الدولة المرابطية (1090–1147م):
دخل المرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين، فوحدوا الأندلس جزئيًا.
أبرز إنجازاتهم: معركة الزلاقة (1086م) التي أنقذت الأندلس مؤقتًا من السقوط.
رغم قوتهم العسكرية، لم ينجحوا في دمج المجتمع الأندلسي سياسيًا.
2. الدولة الموحدية (1147–1238م):
خلفوا المرابطين، ووحّدوا المغرب والأندلس.
شهدت فترتهم انتصارات بارزة، مثل معركة الأرك (1195م)، وهزائم حاسمة، مثل معركة العقاب (1212م).
الهزيمة الأخيرة عجّلت بانهيار حكمهم، ومهّدت لظهور مملكة غرناطة.
خامسا: مملكة بني الأحمر في غرناطة (636هـ – 897هـ / 1238م – 1492م)
تأسست على يد محمد بن يوسف بن الأحمر بعد سقوط الموحدين.
استمرت نحو قرنين ونصف كآخر كيان إسلامي في الأندلس.
انتهجت سياسة المهادنة، والتحالف مع قشتالة، مقابل دفع الجزية.
شهدت نهضة عمرانية وفنية فريدة، مثل بناء قصر الحمراء.
من أبرز ملوكها:
- محمد الأول الغالب بالله (1238–1273): مؤسس المملكة.
- محمد الخامس (1354–1391): بلغت المملكة في عهده ذروتها، واكتمل قصر الحمراء.
- أبو عبد الله الصغير (1482–1492): آخر الملوك، سلّم مفاتيح غرناطة وبه انتهى الحكم الإسلامي في الأندلس.
ملخص زمني للمراحل:
- الولاية الأموية: 92–138هـ
- الإمارة الأموية: 138–316هـ
- الخلافة الأموية: 316–422هـ
- ملوك الطوائف: 422–479هـ
- المرابطون: 479–541هـ
- الموحدون: 541–635هـ
- مملكة غرناطة: 635–897هـ
- ما بعد السقوط: من 897هـ حتى الطرد الكامل (1609م تقريبًا)
خلاصة تحليلية:
كانت الأندلس مرآة حية لصراعات الداخل الإسلامي: وحدة فأنموذج حضاري متفوق، وتفكك فضعف وانهيار.
تكرار الانقسام والنزاعات بين المسلمين، والتحالف مع الخصوم النصارى، كان سلاحًا ارتدّ عليهم.
تدخل المرابطين والموحدين مثّل محاولة لإنقاذ الموقف، لكنها بقيت غير متجذرة في الثقافة السياسية الأندلسية.
السقوط لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة تراكمات من الداخل، قبل أن تُترجم إلى غزو خارجي منظّم.