المرتزقة الجيدون والمرتزقة السيئون: حين يُعاد تعريف الأخلاق حسب الهوية السياسية

في عالم لا تُقاس فيه العدالة بالمعايير، بل بالمصالح، يصبح من السهل أن يتحوّل المرتزق إلى "مستشار أمني"، والمجاهد إلى "إرهابي عابر للحدود"، فقط لأن الجغرافيا السياسية أعادت ترتيب مفردات القاموس. هكذا تجلس القوى الكبرى على عرش اللغة، وتُوزّع الأوسمة أو تُطلق التهم، لا بحسب الأفعال، بل بحسب الولاءات.

فالذين قاتلوا في سوريا إلى جانب الدولة السورية، من لبنانيين وعراقيين وأفغان، يُطلق عليهم الإعلام الغربي "ميليشيات أجنبية تهدّد السيادة السورية". أما من احتلّ أرضًا سورية بالفعل، كالقوات الأميركية في الشرق أو القوات التركية في الشمال، فلا تُوصَف بالاحتلال، بل تُقدَّم على أنها "قوى مراقبة لخفض التصعيد"! هذا ليس تحليلًا إعلاميًا، بل بلاغة سياسية ملوّثة.

من يحارب مع النظام السوري بدعوى المقاومة، يُعتبر مرتزقًا طائفيًا. أما من يُجنَّد على يد الأميركيين ضمن وحدات كردية انفصالية أو عشائرية تابعة لمصالح النفط، فهو "شريك محلي لمكافحة الإرهاب". إسرائيل بدورها لا تجد حرجًا في استقدام مقاتلين محترفين من الخارج، أو الاعتماد على خبراء حرب إلكترونية من خمس قارات، طالما أن هؤلاء "يحمون أمن الدولة اليهودية"!

الفارق هنا ليس في طبيعة الفعل، بل في هوية الفاعل.
فالغربي مرتزق محترم، والشرقي مقاوم مشبوه.
الجندي الأميركي في دير الزور "ضامن لاستقرار المنطقة"، بينما العراقي الذي جاء بدافع عقائدي ليقاتل داعش يُصنّف تهديدًا للأمن الإقليمي!

القاعدة الذهبية لهذا المنطق الإعلامي البائس بسيطة:
من يحارب لأجلنا فهو بطل، ومن يحارب ضدنا فهو عميل.
أما الشعوب، فلا صوت لها في هذا السوق. فقط تُسجَّل في قوائم الضحايا أو الأضرار الجانبية.


وصف الصورة المقترحة:

رسم رمزي يُظهر طاولة إعلامية عليها قواميس مختلفة، واحدة مكتوب عليها "مرتزق"، وأخرى "مستشار"، وثالثة "إرهابي"، وكلها تُكتَب بأقلام تحمل أعلام أمريكا وإسرائيل، بينما جندي شرقي يقف خلف القضبان بسبب "الصفة" التي وُصفت به.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.