طوفان الأقصى: حين فاجأت غزة العالم… وهل كانت أمريكا حقًا غافلة؟

لم تكن عملية طوفان الأقصى حدثًا عابرًا يمكن عزله عن سياقه، ولا مجرد معركة حدودية يمكن احتواؤها. لقد شكّلت تلك العملية العسكرية، التي دشّنتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، زلزالًا استراتيجيًا كشف هشاشة العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وأربك مراكز القرار الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن خلف مشهد المباغتة والانهيار الصهيوني، انفتح سؤال أكثر تعقيدًا: هل كانت أمريكا على علم؟ وهل فوجئت كما ادّعت؟ أم أن شيئًا من الغضّ المقصود للطرف قد وقع؟

هذا السؤال لا يُطرح عبثًا، بل لأنه يتصل مباشرة بجوهر فهمنا لما جرى، وما سيجري لاحقًا.

الحدث: من المفاجأة إلى الهزّة البنيوية

على مدار ساعات، اجتاحت وحدات المقاومة الحدود الشرقية لقطاع غزة، واخترقت المستوطنات والمعسكرات المحصنة، وسط انهيار كامل للرد الصهيوني، بما في ذلك النخب العسكرية.

أكثر من 1200 قتيل إسرائيلي، عشرات الأسرى، وإحباط كامل للمنظومة الاستخبارية التي لطالما تباهت بقدرتها على "الرؤية خلف الجدران".

هذه الضربة، التي تمّ الإعداد لها سرًّا وسط الحصار الخانق، لم تكن مجرد عملية نوعية، بل كانت بمثابة انقلاب على معادلة الردع والاستسلام التي سعت إسرائيل ومعها أمريكا إلى فرضها على غزة.

هل كانت أمريكا تعلم؟ تحليلات ما وراء الحدث

من الناحية التقنية، لا يعقل أن تكون الولايات المتحدة، وهي التي ترتبط مع إسرائيل بشبكات استخباراتية، وأقمار صناعية، وتحالفات استراتيجية عميقة، غافلة تمامًا عما كان يدور.

وحتى إن لم تكن تملك معلومات دقيقة، فإنها بالتأكيد كانت تتابع:

  • تحركات كتائب القسام وسرايا المقاومة.
  • النشاط المتزايد في الميدان.
  • المؤشرات التي نبّهت إليها تقارير مصرية مسبقة، بحسب ما أفادت بعض المصادر لاحقًا.

لكن الصدمة الكبرى كانت أن كل تلك المؤشرات تم تجاهلها، أو الاستهانة بها. سواء بسبب الغطرسة، أو بفعل رغبة دفينة في ترك الحدث يقع، لاستثماره لاحقًا.

فرضية "الغض الطرف": هل كانت هناك نوايا مسبقة؟

يطرح بعض المحللين فرضية مثيرة، مفادها أن الولايات المتحدة، أو تيارات معينة داخل منظومتها الأمنية، لم تكن تمانع تمامًا من وقوع ضربة محدودة من غزة، يمكن لاحقًا تحويلها إلى ذريعة:

  • لتبرير سحق المقاومة.
  • أو لإعادة تشكيل قطاع غزة سياسيًا وجغرافيًا.
  • أو حتى لإنقاذ حكومة نتنياهو من أزمتها الداخلية عبر توجيه الرأي العام نحو معركة خارجية.

لكن ما لم تحسبه هذه الجهات هو أن الضربة لن تكون محدودة، بل ستكون مهينة وصادمة في حجمها وآثارها، إلى درجة يصعب التحكم في تداعياتها النفسية والسياسية والعسكرية.

العقيدة الأمريكية بعد الطوفان: دعم لا متناهٍ للكيان

سواء فوجئت أمريكا أو لا، فإن موقفها بعد العملية كان واضحًا:

  • إرسال حاملات طائرات إلى المتوسط.
  • تغطية سياسية كاملة للعدوان على غزة.
  • تعطيل قرارات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار.
  • تبنّي كامل لرواية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، دون النظر إلى الكلفة المهولة من أرواح المدنيين الفلسطينيين.

هذا السلوك يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تكن فقط بصدد الرد، بل كانت تملك سيناريو جاهزًا للاستثمار في الدم الفلسطيني.

الحدث كاشفًا: ما كشفه الطوفان عن أمريكا والغرب

طوفان الأقصى لم يكشف فقط هشاشة الجبهة الإسرائيلية، بل عرّى كامل المنظومة الغربية:

  • سقطت كل الأقنعة عن شعارات "حقوق الإنسان".
  • كشفت الحرب الوجه الحقيقي لسياسة الكيل بمكيالين في الغرب.
  • تبيّن أن الموقف الأمريكي ليس منحازًا لإسرائيل فقط، بل متورّط عمليًا في العدوان، لوجستيًا وسياسيًا وإعلاميًا.

البعد الأخلاقي والسياسي: حين يُستثمر الدم

من المؤلم أن نكتشف، مرارًا، أن القضية الفلسطينية ليست فقط ضحية الاحتلال، بل أيضًا ضحية الاستثمار الدولي في معاناتها.

فحين تُترك غزة تُباد تحت وابل من القنابل، ثم تُمنَع الإغاثات، وتُحاصر الكلمة، ويمتنع الغرب عن تسمية المجازر باسمها، فإننا نكون أمام واقع يُظهر أن ما جرى لم يكن صدمة، بل فرصة بالنسبة للبعض.

خاتمة: بين الغفلة والتواطؤ

في نهاية المطاف، لسنا بصدد نظرية مؤامرة، بل بصدد فهم بنية التواطؤ الدولي مع المشروع الصهيوني.

فحتى لو كانت أمريكا "تفاجأت"، فإن ردّ فعلها لاحقًا يشي بأنها لم تُصدم أخلاقيًا، بل استنفرت لحماية ما تعتبره أداة استراتيجية في المنطقة.

أما الشعوب، فهي لا تنسى. وقد سجّل التاريخ أن غزة وحدها، المحاصَرة المنهَكة، أربكت الإمبراطوريات، وأسقطت هالة التفوق، وعرّت الزيف الحضاري الذي يغلف مشاريع الاستعمار الجديد.

فما بعد طوفان الأقصى، ليس كما قبله.


وصف الصورة المقترحة:

صورة أفقية تُظهر خارطة فلسطين كاملة من الأعلى، تُغرقها أمواج بحرية تتخذ شكل قبضة مرفوعة، بينما تقف إلى جانبها طائرة استطلاع أمريكية ترمز للمراقبة، وفي الخلفية علم فلسطيني ممزق ينبثق من بين الدخان والركام.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.