طوفان الأقصى: حين اهتزّت الرواية وانكشفت الكلفة

المباغتة: حين تنهار عقيدة الردع 

فجر السابع من أكتوبر 2023، خرجت غزة من الحصار إلى المبادرة. ليس بخطاب، بل باختراق غير مسبوق لأكثر حدود الاحتلال تحصينًا. عملية "طوفان الأقصى" لم تكن مجرد ردّ فعل، بل كانت انقلابًا مفاهيميًا على معادلة القوة التي روّجت لها إسرائيل طيلة عقود.

لقد انهارت، في ساعات، أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر". السور الذكي، والرقابة الجوية، وأجهزة التجسس... كلها سقطت أمام مجموعات استطاعت أن تُعيد تعريف معنى "المباغتة" بوسائل بدائية.

لكن السؤال الأكبر ليس: كيف نجحوا؟ بل: لماذا لم يفشلوا؟
لأن إرادة من لا يملك شيئًا، غالبًا ما تكون أقوى من غطرسة من يملك كل شيء.

الرمزية: من الغزوة إلى الطوفان

اسم العملية ليس تفصيلاً. "طوفان الأقصى" لا يُحيل فقط إلى المسجد الأسير، بل يُلمّح إلى طوفانٍ رمزي يغمر المشروع الصهيوني نفسه، من الداخل. فالهجوم لم يستهدف فقط مواقع عسكرية، بل أسقط الهيبة، وزلزل الداخل الإسرائيلي نفسيًا وسياسيًا واجتماعيًا.

الطوفان ليس ماءً، بل كشف. كشفٌ لفشل أمني، وسقوط أخلاقي، وهشاشة مجتمع يقوم على الخوف، لا على العقد الاجتماعي.

الصدمة الإسرائيلية: حين تُفضَح هشاشة الداخل

ردّة فعل الاحتلال لم تكن عسكرية فقط، بل نفسية: ذهول، بكاء، انهيار أعصاب. المجتمع الذي تربّى على فكرة التفوق، تلقّى طعنة في العمق: المستوطنات تُقتحم، الجنود يُقيدون، والجنرالات يُسحقون تحت وقع المباغتة.

كل ذلك، وثّقته عدسات المقاومة. لكنها لم توثق فقط لحظة النصر، بل لحظة انهيار الرواية.

رد الاحتلال: من العجز إلى الانتقام

حين يعجز المحتل عن الرد العسكري المكافئ، يتجه إلى أسهل أشكال القوة: الانتقام العشوائي. فبدأت إسرائيل بقصف شامل لمناطق مدنية، تدمير أحياء كاملة، قتل جماعي دون تمييز. لم تكن حربًا، بل عقابًا جماعيًا لكل من تنفّس في غزة.

هنا، فُتحت صفحة جديدة من الكلفة الباهظة: شهداء، جرحى، بيوت أُبيدت، أجيال كاملة شُرّدت.

لكن، ورغم ذلك، لم تسقط المقاومة. بل تمسّكت بخطابها، وواصلت الرد، وكأنّ غزة تقول للعالم: "أنا لا أُقصف، أنا أُعرّي العالم".

الخسائر: الكلفة الباهظة بين الدم والكرامة

لا يمكن تبرير المجازر. فالحرب على غزة تحوّلت إلى جريمة دولية مبرمجة، سُكِت عنها دوليًا وتواطأ معها إعلاميًا.

  • قُتل الآلاف، أغلبهم أطفال ونساء.
  • تدمير شامل للبنى التحتية.
  • انقطاع الماء والكهرباء والدواء.
  • تهجير قسري لأكثر من مليون شخص.

هذه ليست "أضرارًا جانبية"، بل سياسة إفراغ مدروس. ومع ذلك، فإن سؤال الوجع لا يلغي سؤال المعنى: هل كانت المجازر مبررًا لعدم الدفاع عن النفس؟ أم أن كلفة السكوت كانت ستُكلّفنا ما هو أفظع من الموت: العيش بمهانة؟

الانكشاف العربي والدولي: حين تعرّت كل الأقنعة

حرب طوفان الأقصى لم تكشف فقط هشاشة إسرائيل، بل فضحت أيضًا التواطؤ العربي الرسمي. فالغالبية اختارت الصمت، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك: تبرير العدوان، أو عرقلة وصول الإغاثات.

أما الغرب، فقد تخلّى عن كل شعاراته: حقوق الإنسان، القانون الدولي، حماية المدنيين... كلّها سقطت تحت أقدام الدعم غير المشروط لإسرائيل.

أصبح القتل الجماعي مبررًا بـ"حق الدفاع عن النفس"، بينما يُجرّم الفلسطيني لمجرد نطقه بكلمة "حرية".

الخاتمة: بين المجد والتضحية

نعم، طوفان الأقصى لحظة مجد فلسطيني. لكنها أيضًا لحظة تضحية عظيمة لا يجب أن تُبتذل. لا ينبغي الرقص على دماء الشهداء، بل فهمها: لماذا ضحّوا؟ ولماذا ما زالوا يقاتلون؟

الحرب لم تنتهِ، لكن صفحةً انفتحت. صفحة تقول إن الرهان على الركوع قد فشل، وأنه ما دام هناك من يقول "لا"، فالمشروع الصهيوني لن يستقر، ولو امتلك كل الدعم في الأرض.

فطوفان الأقصى لم يكن حدثًا عابرًا، بل تحوّلاً تاريخيًا في مسار الصراع، أعاد تعريف الصمود، وقلب معادلة "السلام مقابل الاستسلام"، إلى معادلة جديدة: "التحرير مقابل الكلفة".

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.