طوفان الأقصى: ردود فعل العالم.. بين الصدمة والانحياز والصمت

حين اندلعت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، لم تكن الضربة مفاجئة للاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل هزّت المشهد الدولي بأكمله. لم يعتد العالم أن يرى المقاومة الفلسطينية في موقع المبادِر، ولا أن تهتز صورة "الجيش الذي لا يُقهر" بهذه السرعة والوضوح.

لكن ردود الفعل العالمية لم تكن متوازنة، ولم تتحرك بمنطق موحد. بل انقسم المشهد بين دول صُدمت لكنها انحازت، وأخرى صمتت بحذر، وأخرى قليلة حاولت التوازن أو أبدت تفهمًا جزئيًا.

هذا المقال يتناول قراءة هادئة وحيادية لهذا المشهد الدولي المتشظي.


الولايات المتحدة: دعم مطلق وغير مشروط

منذ الساعات الأولى، أظهرت الولايات المتحدة انحيازًا كاملاً لإسرائيل، ووصفت الهجوم بأنه "إرهابي غير مبرر"، دون أدنى إشارة إلى خلفية الصراع أو جذوره السياسية والحقوقية.

وأعلنت إدارة بايدن:

  • دعمًا عسكريًا مباشرًا بإرسال حاملات طائرات وذخائر متطورة.
  • غطاءً سياسيًا كاملاً في المحافل الدولية، عرقل أي محاولات لوقف إطلاق النار.
  • تمويلًا إضافيًا للمنظومة العسكرية الإسرائيلية بحجة "الدفاع".

اللغة الأمريكية كانت واضحة: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، دون أي اعتراف بحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال.


الاتحاد الأوروبي: تباين داخلي وغياب للموقف المستقل

الرد الأوروبي تأرجح بين المواقف الفردية للدول:

  • فرنسا وألمانيا أبدتا دعمًا مطلقًا لإسرائيل، ورفضتا الربط بين الهجوم والسياق السياسي.
  • إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا أبدت مواقف أكثر اتزانًا، دعت إلى وقف النار، وانتقدت "ردّ الفعل غير المتناسب" من إسرائيل.
  • الاتحاد الأوروبي كمؤسسة بدا مرتبكًا، وأصدر بيانات عامة تدين العنف من الجانبين، دون تسميتهما صراحة.

لكن عمومًا، طغت لغة "التضامن مع إسرائيل" على الخطاب الأوروبي، على حساب المبدأ الإنساني الذي طالما رفعه الاتحاد.


العالم العربي والإسلامي: مواقف خطابية دون فعل ملموس

غالبية الأنظمة العربية أصدرت بيانات رسمية تدعو إلى التهدئة وتجنّب التصعيد، مع تأكيدها على "حق الفلسطينيين في تقرير المصير"، دون ذكر واضح لعملية طوفان الأقصى أو الإشارة إلى الاحتلال كمسبب.

  • بعض الدول الخليجية (مثل السعودية والإمارات) دعت إلى "ضبط النفس من الطرفين"، في صيغة متوازنة لفظيًا لكنها تغض الطرف عن ميزان القوة المختل.
  • قطر برزت بدور الوسيط، وعبّرت عن "تفهمها للمقاومة في إطار الاحتلال"، مع سعي واضح لاحتواء الأزمة سياسيًا.
  • إيران اعتبرت العملية "تحولًا نوعيًا في الصراع"، ورحّبت بها كجزء من "محور مقاومة الاحتلال".

لكن بالمجمل، بقي الموقف العربي والإسلامي أسير الحسابات السياسية، دون ترجمة إلى ضغوط فعلية أو مبادرات إغاثية واسعة، رغم حجم الكارثة الإنسانية لاحقًا.

الدول الإفريقية والآسيوية: حضور باهت أو صمت استراتيجي

كثير من الدول الإفريقية والآسيوية فضّلت الصمت أو المواقف الدبلوماسية الغامضة، مكتفية بالدعوة لخفض التصعيد، دون تبنّي موقف أخلاقي أو سياسي واضح.

ويُعزى هذا الصمت غالبًا إلى:

  • خشية فقدان الدعم الغربي.
  • الانشغال بالصراعات المحلية.
  • قلة التأثير في القرار الدولي.

الأمم المتحدة: موقف قانوني مكبل بالفيتو السياسي

في الأيام الأولى، اكتفى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالتعبير عن "القلق العميق"، دون إدانة مباشرة لأي طرف.

وعندما تقدّمت دول بمشاريع قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة لتعطيل أي تحرك دولي.

وعند تعرّض غوتيريش لاحقًا لهجوم سياسي من إسرائيل بسبب تصريحه أن "الهجوم لم يأتِ من فراغ"، برز انكشاف المنظمة الأممية أمام ضغوط الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة.


الرأي العام العالمي: انقسام بين الإعلام والجماهير

رغم الانحياز الإعلامي الغربي لإسرائيل في الأيام الأولى، فقد شهدت الشارعـات الأوروبية والأمريكية احتجاجات ضخمة مؤيدة لفلسطين، وخاصة بعد بدء المجازر في غزة.

  • في أمريكا: مئات المظاهرات والاعتصامات في الجامعات تطالب بوقف الدعم لإسرائيل.
  • في أوروبا: تزايد الأصوات الداعية لوقف النار، وإدانة الجرائم بحق المدنيين.
  • في أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا: مواقف رسمية وشعبية متعاطفة مع الشعب الفلسطيني.

هذا الانقسام كشف أن الرأي العام بات أكثر وعيًا بطبيعة الصراع، رغم الرواية الرسمية والإعلامية المتحيزة.


خاتمة: صراع الروايات لا يقل ضراوة عن صراع السلاح

عملية طوفان الأقصى لم تكن فقط هجومًا عسكريًا مفاجئًا، بل هزّت سردية عمرها عقود حول من هو الضحية ومن هو المعتدي.

لقد كشفت الردود الدولية مدى التسييس والانحياز في فهم العالم للقضية الفلسطينية، وبينما التزمت كثير من الحكومات بالدعم المطلق لإسرائيل، بدأت الشعوب تتحرر من الرواية الرسمية.

وبينما بقيت المؤسسات الدولية رهينة للنفوذ السياسي، تصدّرت الكلمة الحرة في الشوارع والجامعات، لتعلن أن العدالة لا تزال تُطالب بحقّها في الوجود.

وفي زمن المعايير المزدوجة، تبقى الحقيقة متمردة، تبحث عمن ينقلها دون خوف.


وصف الصورة المقترحة:

خريطة للعالم تُظهر الدول بألوان مختلفة بحسب مواقفها (الأحمر للداعمة لإسرائيل، الأصفر للمتحفظة، الأخضر للمساندة لفلسطين)، مع رموز تمثل الشعوب المحتجة مقابل حكومات صامتة، وخلفية لمشهد طوفان يغمر عناوين الصحف.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.