طوفان الأقصى: الرأي العام العالمي.. حين تكلمت الشعوب وسقطت الأقنعة

في عالمٍ تُحتكر فيه الحقيقة من قبل وسائل الإعلام الرسمية، وتُعاد فيه صياغة الرواية بحسب مصالح العروش والسفارات، جاءت عملية طوفان الأقصى لتفجر ليس فقط جبهة الجنوب، بل أيضًا جدار الصمت والاصطفاف الزائف في الوعي الغربي. 

فبينما تسرّعت الحكومات في الانحياز لإسرائيل، ارتفعت أصوات الشعوب من قلب العواصم الغربية نفسها، لتقول ما لم تستطع الأنظمة قوله: إن الاحتلال جريمة، والمقاومة ليست إرهابًا.

هذه المقالة تحلل بعمق كيف استقبلت الشعوب والضمائر الحرة حول العالم هذا الحدث التاريخي، وكيف تصاعد الوعي الجماهيري رغم تواطؤ الإعلام، وما الذي يعنيه هذا التحول للخطاب الدولي تجاه القضية الفلسطينية.


في الغرب: الجامعات تكسر الرواية الرسمية

رغم الهيمنة الإعلامية الكاملة في الأيام الأولى للعملية، والتي صوّرت الحدث على أنه "هجوم دموي بلا سبب"، سرعان ما بدأت تتسرّب الرواية الأخرى من بين شقوق الإعلام، عبر منصات التواصل ومنظمات حقوقية مستقلة.


أبرز ملامح الموقف الشعبي الغربي:

في أمريكا
  • الجامعات كانت ساحة المعركة الأوضح. طلاب من هارفارد، كولومبيا، وييل، رفعوا بيانات تُحمّل إسرائيل مسؤولية ما يحدث، وتدعو لوقف العدوان على غزة.
  • ظهرت مخيمات احتجاج مفتوحة تطالب بوقف التمويل العسكري، مما أثار ذعر اللوبي الصهيوني ودفعه لابتزاز الطلاب وتهديد مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
في أوروبا
  • شهدت لندن وباريس وبرلين ومدريد مظاهرات ضخمة لم يُشهد لها مثيل منذ الحرب على العراق، رغم القمع الأمني.
  • كثير من الشعوب رفضت تكرار خطاب "التضامن الأعمى مع إسرائيل"، وبدأت ترفع لافتات تعيد تعريف من هو المعتدي ومن هو الضحية.
  • الوعي التاريخي يعود: للمرة الأولى منذ عقود، بدأ الجيل الجديد في الغرب يُظهر وعيًا بتاريخ القضية الفلسطينية، متجاوزًا الرواية الصهيونية التي احتكرت الذاكرة لعقود.

في الجنوب العالمي: فلسطين ليست وحدها

في دول إفريقيا، أمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا، كان الموقف الشعبي أكثر وضوحًا وارتباطًا بتجربة الشعوب مع الاستعمار والاضطهاد.

  • في جنوب إفريقيا: خرجت مظاهرات شعبية حاشدة، ورفعت لافتات تُشبه نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بـ"الأبارتايد" الذي عاشوه في بلدهم
  • في البرازيل وتشيلي: الفنانون والنقابات والنشطاء عبّروا عن تضامن غير مشروط مع غزة، رافضين خطاب "الإرهاب" الذي يروّجه الغرب.
  • في إندونيسيا وماليزيا:تصاعدت الحملات الشعبية للمقاطعة، وتحوّل دعم فلسطين إلى قضية ضمير حي تُجمع عليها مختلف أطياف المجتمع.

الإعلام البديل: كسر احتكار الصورة

واحدة من أبرز المظاهر التي عبّرت عن الرأي العام العالمي كانت صعود الإعلام الشعبي والرقمي، الذي كسر احتكار الرواية الصهيونية.

  • مئات الآلاف تابعوا بثّ المقاومة من داخل غزة، لحظة بلحظة، عبر حسابات موثوقة.
  • تقارير شهود العيان وصور الضحايا غيّرت اتجاه النقاش، وكشفت زيف رواية "الردّ الدفاعي".
  • منصات مثل TikTok وX (تويتر سابقًا) أصبحت ساحات حرب للرواية، وانتقل فيها الوعي من "الضحية الإسرائيلية" إلى مأساة غزة الإنسانية والسياسية.

حرب المقاطعة: لغة الشعوب حين يُخرسها الساسة

مع تصاعد المجازر في غزة بعد طوفان الأقصى، ردّ الرأي العام العالمي بلغة اقتصادية واضحة:

  • حملات مقاطعة شركات داعمة للاحتلال تصاعدت في العالم العربي والغرب معًا.
  • شركات كبرى بدأت تشعر بالضغط، ما دفع بعضها لمحاولة التبرؤ من الموقف الإسرائيلي.
  • في الدول الإسلامية، رُفعت لافتات في الشوارع تحضّ على المقاطعة باعتبارها "سلاح الفقير"، وحلّت محل الخطابات الرسمية التي اكتفت بالدعاء.

ثورة رمزية: الأعلام الفلسطينية في ميادين الخصم

رمزية ما حدث كانت لافتة. أعلام فلسطين رُفعت:

  • فوق تمثال الحرية في أمريكا.
  • في ساحات الجامعات البريطانية والفرنسية.
  • على مبانٍ عامة في أمريكا اللاتينية.

بل إن كثيرًا من النشطاء اليهود المعارضين للصهيونية شاركوا في المظاهرات، ورفعوا شعارات مثل:

"ليس باسمي"
"اليهود ضد الفصل العنصري"


خاتمة: حين تعود فلسطين إلى قلب الضمير العالمي

عملية طوفان الأقصى لم تغيّر فقط توازنات الميدان، بل فجّرت تحوّلًا نوعيًا في الرأي العام العالمي.
وللمرة الأولى منذ عقود، تحوّلت فلسطين من "قضية نائية" إلى مركز نقاش عالمي مفتوح، في الجامعات والشارع والإعلام الشعبي.

في زمن ما بعد الحقيقة، حيث تُقنّن الرواية ويُحرَّف التاريخ، جاءت هذه الانتفاضة لتعيد ترتيب الأولويات في الضمير العالمي.
ليس لأن الشعوب تحب الحرب، بل لأنها كرهت الصمت الظالم والتواطؤ مع الجريمة.

لقد تكلم الرأي العام، وربما لا يرضى بالصمت من جديد.


وصف الصورة المقترحة:

لوحة بانورامية لميادين عالمية كبرى (تايمز سكوير، ساحة الجمهورية في باريس، ميدان ترافالغار) يرفرف فيها العلم الفلسطيني، وتحتها شعوب من جنسيات مختلفة ترفع لافتات تضامن، بينما تتقاطع الصورة مع مشاهد من غزة تحت القصف.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.